آمنت بالقضاء والقدر خيره وشره، وباليوم الآخر ثوابه وعقابه، فصغرت الدنيا في عيني وصغر شأنها عندي حتى ما أفرح بخيرها، ولا أحزن لشرها، ولا أعول على شأن من شئونها حتى شأن الحياة فيها، وأقسم ما خرجت مرة إلى شاطئ النهر حاملا شبكتي فوق عاتقي إلا وقع الشك في نفسي هل أعود إلى منزلي حاملا أم محمولا.
ما العالم إلا بحر زاخر، وما الناس إلا أسماكه المائجة فيه، وما ريب المنون إلا صياد يحمل شبكته كل يوم ويلقيها في ذلك البحر فتمسك ما تمسك، وتترك ما تترك، وما ينجو من شبكته اليوم لا ينجو منها غدا، فكيف أغتبط بما لا أملك، أو أعتمد علي غير معتمد، إذا أنا أضل الناس عقلا وأضعفهم إيمانا.
قال المحدث: فأكبرت الرجل في نفسي كل الإكبار وأعجبت بصفاء ذهنه وذكاء قلبه وحسدته على قناعته واقتناعه بسعادة نفسه وقلت له: يا شيخ إن الناس جميعا يبكون على السعادة ويفتشون عنها فلا يجدونها فاستقر رأيهم على أن الشقاء لازم من لوازم الحياة لا ينفك عنها، فكيف تعد العالم سعيدا وما هو إلا في شقاء، قال: لا يا سيدي، إن الإنسان سعيد بفطرته وإنما هو الذي يجلب بنفسه الشقاء إلى نفسه، يشتد طمعه في المال فيتعذر