وولدي فأقرع السن على أن لم يكن قصرا كبيرا، وإن كان لا بد من إمتاع النظر بالمناظر الجميلة فحسبي أن أحمل شبكتي فوق كتفي كل مطلع فجر وأذهب بها إلى شاطئ النهر فأرى منظر السماء والماء، والأشعة البيضاء، والمروج الخضراء، فما هي إلا لفته الجيد حتى يطلع من ناحية الشرق قرص الشمس كأنه ترس من ذهب، أو قطعة من لهب، فلا يبعد عن خط الأفق ميلا أو ميلين حتى ينثر فوق سطح النهر حليه المتكسر، أو دره المتحدر، فإذا تجلى هذا المنظر في عيني يتخلله سكون الطبيعة وهدوؤها ملك على شعوري ووجداني فاستغرقت فيه استغراق النائم في الأحلام اللذيذة حتى لا أحب أن أعود إلى نفسي إلى يوم النشور، ولا أزال هكذا غارقا في لذتي حتى أشعر بجذبة قوية في يدي فأنتبه فإذا السمك في الشبكة يضطرب، وما اضطرابه؛ إلا لأنه فارق الفضاء الذي كان يهيم فيه مطلق السراح وبات في المحبس الذي لا يجد فيه مراحا ولا مسرحا، فلا أجد له شبيها في حالتيه إلا الفقراء والأغنياء، يمشي الفقير كما يشتهي ويتنقل حيث يريد كأنما هو الطائر الذي لا يقع إلا حيث يطيب له التغريد والتنقير، ولولا أن تتخطاه العيون وتنبو عنه النواظر ما كار في كل فضاء، ولا تنقل حيث يشاء، أما الغني فلا يتحرك