ولا تذهب نفسي حسرة وراء مطمع من المطامع فمن أي باب يخلص الشقاء إلى قلبي، قلت: أيها الرجل أين يذهب بك وما أرى إلا أنك شيخ قد اختلس عقله، وكيف تعد نفسك سعيدا وأنت حاف غير منتعل وعار إلا قليلا من الأسمال البالية والأطمار السحيقة، قال: إن كانت السعادة لذة النفس وراحتها، وكان الشقاء ألمها وعناءها، فأنا سعيد؛ لأني لا أجد في رثاثة ملبسي ولا في خشونة عيشي ما يولد لي ألما، أو يسبب لي هما، وإن كانت السعادة عندكم أمرا وراء ذلك، فأنا لا أفهمها إلا كذلك، قلت: ألا يحزنك النظر إلى الأغنياء في أثاثهم ورياشهم، وقصورهم ومراكبهم، وخدمهم وخولهم، ومطعمهم ومشربهم، ألا يحزنك هذا الفرق العظيم بين حالتك وحالتهم، قال: إنما يصغر جميع هذه المناظر في نظري ويهونها عندي أني لا أجد أن أصحابها قد نالوا من السعادة بوجدانها، أكثر مما نلته بفقدانها.
هذه المطاعم التي تذكرها إن كان الغرض منها الامتلاء فأنا لا أذكر أني بت ليلة في حياتي جائعا، وإن كان الغرض منها قضاء شهوة النفس فأنا لا آكل إلا إذا جعت فأجد كل ما يدخل جوفي لذة لا أحسب أن في شهوات الطعام لذة تفضلها، أما القصور فإن لدي كوخا صغيرا لا أشعر بأنه يضيق بي وبزوجتي