ولا يسكن إلا وعليه من الأحداق نطاق، ومن الأرصاد أغلال وأطواق، ولا يخرج من منزله إلا إذا وقف أمام المرآة ساعة يؤلف فيها من حقيقته وخياله ناظر ومنظورا ثم يطيل التفكير هل يقع المنظور من الناظر موقعا حسنا، حتى إذا استوثق من نفسه بذلك خرج إلى الناس يمشي بينهم مشية يحرص فيها على الشكل الذي استقر رأيه عليه فلا يطلق لجسمه الحرية في الحركة والالتفات حتى لا يخرج بذلك من حكمها ولا لفكره الحرية في النظر والاعتبار بمشاهد الكون ومناظره مخافة أن يغفل عن إشارات السلام، ومظاهر الإكرام.
فإذا أخذت من السمك كفاف يومي عدت به وبعته في الأسواق أو على أبواب المنازل، فإذا أدبر النهار وعدت إلى منزلي فيعتنقني ولدي وتبش زوجتي في وجهي، فإذا قضيت بالسعي حق عيالي وبالصلاة حق ربي نمت في فراشي نومة هادئة مطمئنة لا أحتاج معها إلى ديباج وحرير، أو مهد وثير، فهل استطيع أن أعد نفسي شقيا وأنا أروح الناس بالا، وإن كنت أقلهم مالا.
لا فرق بيني وبين الغني إلا أن الناس لا ينهضون إجلالا لي إذا رأوني، ولا يمدون أعناقهم نحوي إذا مررت بهم، وأهون