من الموت وشأنه ما لا أحتاج معه إلى نذير، فلم يبق إلا أن تكوني أوقح الخلائق وجها، وأصلبها خدا، وأنك قد نزلت من السماحة والفضول منزلة لا أرى لك فيها شبيها إلا تلك الحية التي تلج كل جحر من أجحار الهوام والحشرات تعده جحرها، وتحسبه بيتها.
أيبلغ بك الشأن وأنت التي يضربون الأمثال بدقتها وخفائها ويبعثون وراءها الملاقط والمقاريض فلا يكادون يعرفون السبيل إلى مدارجها ومكامنها أن تملئي من الرعب قلبا لا يروعه السيف المجرد، ولا السهم المسدد.
لا لا، ما ذعرت ولا ارتعت، وما حزنت ولا بكيت، وإنما هي خطرة من خطرات الأمل الكاذب، ولمحة من لمحات البرق الخالب.
أيتها الشعرة البيضاء: هل لك أن تتجاوزي عما أسأت به إليك في إطالة عتبك، واستثقال ظلك، فلقد رجعت إلى نفسي فعلمت أنك أكرم الخلائق عندي، وأعظمها في عيني، هنيئا لك رأسي مصيفا ومرتبعا، وهنيئا لك فودي مرادا ومسرحا، فأنت رسول الموت الذي ما زلت أطلبه مذ عرفته، فلا أجد له سبيلا، ولا أعرف له رسولا