منه بمال كثير يراعي فيه النسبة التي يراعيها المرابون بين الربح وأصل المال، وكان إذا حلف لا يدخل بيتا دخله من نافذته، أو لا يأكل رغيفا أكله إلا لقمة منه، فذنبه أنه كان يعمد إلى الأحكام الشرعية فينتزع منها حكمها وأسرارها ثم يرفعها إلى الله قشورا جوفاء ليخدعه بها ويغشه فيها كما يفعل مع الأطفال والبله مستندا على تقليد أبي حنيفة أو غيره من كبار الأئمة, وأبو حنيفة أرفع قدرا وأهدى بصيرة من أن يتخذ الله هزأ أو سخرية وأن يكون ممن يهدمون الدين باسم الدين.
وما انقطع عنا صوت هذا الشقي حتى رأينا شقيا آخر ذا لحية طويلة كثة قد أحاط به ملكان وشدا عنقه بسبحة طويلة ذات حبات كبيرة, وقد أخذ كل منهما بطرف منها وهو يهمهم بكلمات مبهمة فيقرعه أحدهما على رأسه ويقول له: "أمكر وأنت في الحديد" فدنوت منه وأنعمت النظر في وجهه فعرفته, فتراجعت ذعرا وخوفا وقلت: أيكون هذا من أشقياء الآخرة وقد كان بالأمس من أقطاب الأولى، فقال لي صاحبي: إن هذا الذي كنت تحسبه في أولاه من الأقطاب كان أكبر تاجر من تجار الدين، وما هذه اللحية والسبحة والهمهمة والدمدمة إلا حبائل كان ينصبها لاصطياد عقول الناس وأموالهم ولكن الناس لا يعلمون