المحال، ولا تصدق كل ما يقال، فقد كنا مخدوعين في الدار الأولى بتلك الآمال الكاذبة التي كان يبيعها منا تجار الدين بثمن غال, ولا يتقون الله في غشنا وخداعنا، وما الشفاعة إلا مظهر من مظاهر الإكرام والتبجيل به الله بعض عباده المقربين، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ولا يأذن بالشفاعة لأحد إلا إذا كان بين أعمال المشفوع له, أو في أعماق سريرته ما يقتضي إثاره بالمغفرة على غيره من العصاة والمذنبين، والله سبحانه وتعالى أجل من العبث وأرفع من المحاباه.
وما وصل من حديثه إلى هذا الحد حتى رأينا كوكبة من ملائكة العذاب تحيط برجل يساق إلى النار, ورأينا في يد كل واحد منهم مقرعة من الحديد يقرع بها رأسه وهو يصرخ ويقول: "أهلكتني يا أبا حنيفة" فسألت صاحبي ما ذنب الرجل، فقال: إنه كان في حياته يتخذ في أعماله ما يسمونه "الحيل الشرعية" فكان يهب ماله لأحد أولاده على نية استرداده قبل أن يحول عليه الحول ليتخلص من فريضة الزكاة، ويطلق زوجته ثلاثا ثم يأتي بمحلل يحللها له فيعود إلى معاشرتها، وكان يرابي باسم الرهن فإذا جاءه من يريد أن يقترض منه مالا أبى أن يقرضه إلا إذا وضع في يده رهنا فإذا وضع يده على ضيعته ألزمه أن يستأجرها