اسم الکتاب : المعارك الأدبية المؤلف : أنور الجندي الجزء : 1 صفحة : 269
فلا يجدني أرفع الرافعي عن الخطأ، ولا أجله عن الضعف ولا أنزهه عما هو من عمل كل إنسان حي ناطق يأمل ويشتهي.
ولقد عرفنا الرافعي زمنا -طال أو قصر- فأحببناه ومنحناه من أنفسنا ومنحنا من ذات نفسه, ورضيناه أبا وأخا وصديقا وأستاذًا ومؤدبا فلم نجد إلا حسن الظن به في كل أبوته وإخائه وصداقته وأستاذيته, ولقد مات الرافعي الكاتب الأديب وهو على عهدنا به إنسانا نحبه ولا ننزهه, ثم جاء الأستاذ سيد قطب بحسن أدبه يقول في الرجل غير ما عهدناه، يؤول كلامه ويأخذ منه ويدع ويتفلسف ويحلل ويزعم القدرة على التولج في طويات القلوب وغيب النفوس فيكشف أسرارها ويميل اللثام عما استودعت من خبيئاتها, ثم هو في ذلك لا يتورع ولا يحتاط, ولا يرعى زمام الموت ولا يوجب حق الحي.
هذا الذي ترك الدنيا بالأمس وحيدًا, وخلف من ورائه صغارًا وكبارًا من أبنائه وحفدته وأصحابه واللائذين به, ثم يراهم والدمع يأخذهم بين الذكرى المؤلمة والألم البالغ، ولو فعل لعرف كيف أخطأ ومن أين أساء ولوجده لزاما عليه أن يقدر عاطفة الحي إن لم يعظم حرمة الموت.
جعل[1] الأستاذ يستثير دفائن الإحن والأحقاد التي كانت بين الرافعي والعقاد ليتخذ منها دليله الذي يفزع إليه في أحكامه على الرافعي, لا بل على قلب الرافعي ونفسه وإيمانه بعمله وعقيدته فيه, ثم لم يرض بذلك حتى نفح منها من روح الحياة ما جعلها مما يكتب الأطياء عن الأطياء للإيلام والإثارة لا للجرح والتعديل والنقد. وكأن الفتوة عادت جذعة بين الرافعي نفسه وبين العقاد وإلا فما الذي رمى في صدر الأستاذ بهذه الغضبة الجائحة من أجل العقاد! [1] الرسالة 9 مايو 1938.
اسم الکتاب : المعارك الأدبية المؤلف : أنور الجندي الجزء : 1 صفحة : 269