اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 491
إذا كان سعد المرء في الدهر مقبلا ... تدانت له الأشياء من كلّ جانب
وقال آخر:
ما سلّم الله هو السالم ... ليس كما يزعم الزّاعم
تجري المقادير التي قدرت ... وأنف من لا يرتضي راغم
وقال كعب بن زهير «1» :
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... والنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينتهي ذاك حتى ينتهي العمر
وروي في الإسرائيليات أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة السلام مرّ بفخ منصوب وإذا بطائر قريب منه، فقال له الطائر: يا نبي الله: هل رأيت أقل عقلا ممن نصب هذا الفخ ليصيدني به وأنا أنظر إليه؟ قال: فذهب عنه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع وإذا بالطائر في الفخ، فقال له: عجبا لك ألست القائل كذا وكذا آنفا؟ فقال: يا نبي الله إذا جاء الحين لم يبق أذن ولا عين. ويروى أن رجلا قال لبزرجمهر: تعال نتناظر في القدر، قال: وما تصنع بالمناظرة؟ قال: رأيت شيئا ظاهرا استدللت به على الباطن، رأيت جاهلا مبرورا وعالما محروما، فعلمت أن التدبير ليس للعباد.
ولما قدم موسى بن نصير بعد فتح الأندلس على سليمان بن عبد الملك قال له يزيد بن المهلب: أنت أدهى الناس وأعلمهم، فكيف طرحت نفسك في يد سليمان؟
فقال: إن الهدهد ينظر إلى الماء في الأرض على ألف قامة، ويبصر القريب منه والبعيد على بعد في التخوم، ثم ينصب له الصبي الفخ بالدودة أو الحبة فلا يبصره حتى يقع فيه وأنشدوا في ذلك:
وإذا خشيت من الأمور مقدّرا ... وفررت منه فنحوه تتوجّه
وقال آخر:
أقام على المسير وقد أنيخت ... مطاياه وغرّد حادياها
وقال أخاف عادية الليالي ... على نفسي وأن ألقى رداها
مشيناها خطا كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطا مشاها
ومن كانت منيّته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها
ولما قتل كسرى بزرجمهر وجد في منطقته «2» كتاب فيه: إذا كان القضاء حقا فالحرص باطل. وإذا كان الغدر في الناس طبعا فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت بكل أحد نازلا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق.
وقال ابن عباس وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما
«3» . إنما كان الكنز لوحا من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن يوقن بالقدر كيف يحزن. وعجبت لمن يوقن بالرزق كيف ينصب، وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح، وعجيبت لمن يوقن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها. لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وحكى الطرطوشي رحمه الله تعالى في كتابه «سراج الملوك» قال: من عجيب ما اتفق بالاسكندرية أن رجلا من خدم نائب الإسكندرية غاب عن خدمته أياما، ففي بعض الأيام قبض عليه صاحب الشرطة وحمله إلى دار النائب فانفلت في بعض الطرق وترامى في بئر والمدينة إذ ذاك مسردبة بسرداب يمشي الماشي فيه قائما، فما زال الرجل يمشي إلى أن لاحت له بئر مضيئة، فطلع منها فإذا البئر في دار النائب، فلما طلع أمسكه النائب وأدبه، فكان فيه المثل السائر: الفار من القضاء الغالب كالمتقلب في يد الطالب. وأنشدو فيه:
قالوا تقيم وقد أحاط ... بك العدوّ ولا تفرّ
لا نلت خيرا إن بقي ... ت ولا عداني الدهر شر
اسم الکتاب : المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين الجزء : 1 صفحة : 491