اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 96
العربي أن يكون ملاذا لكل خائف، وملجأ لكل طريد؛ لأن في ذلك اعترافا بقوته ومروءته وكرمه، وهي فضائل يعتز كل عربي بأن تُنسب إليه، حتى لقد اشتهر بعض أشراف العرب بإجارة الخلعاء وحمايتهم[1].
وكانت الصلة بين الجار والمجير تختلف -بطبيعة الحال- وفقا للظروف، فكانت أحيانا مؤقتة، وكانت أحيانا أخرى دائمة، بل وراثية، وفي بعض الحالات كان المجير يتعهد بأن ينصر جاره على عدو معين فقط، وفي حالات أخرى كان يتعهد بإجارته من كل الأعداء، بل من الموت نفسه، وكان هذا يعني أن يدفع المجير إذا مات جاره، وهو في جواره، دية لأسرته[2]، "وأقوى هذه الحالات على الإطلاق هي تلك التي يتعهد المجير لجاره بأن يثأر له حتى من أخيه الصميم"[3].
ومن هنا كان العرب يسمون جارهم هَدْيَهم أو هديّهم "يحرم عليه منه ما يحرم من الهدي"[4]، وهي تسمية تشعرنا بتلك القداسة التي كانت للجوار في نفوس العرب، فهو عندهم شيء مقدس، كأنه قربان يتقربون به إلى الآلهة. ومما يلقي الضوء على هذه الفكرة أن بعض المكيين كانوا يقسمون على حمايتهم لجارهم في الكعبة، وكان هذا القسم يتخذ صورة إعلان عام، [1] كان الزبير بن عبد المطلب في مكة "ينزل عليه الخلعاء" "ابن قتيبة: الشعر والشعراء/ 229" وقد لجا مطرود بن كعب الخزاعي "إلى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بجناية كانت منه، فحماه وأحسن إليه" "المزرباني: معجم الشعراء/ 375"، ونزل البراض الكناني بعد خلعه "على حرب بن أمية فحالفه، فأحسن حرب جواره" "الأغاني 19/ 75"، وكان حاجز الأزدي حليفا لبني مخزوم "الأغاني 12/ 49 بولاق". [2] SMITH KINSHIP AND MARRIAGE IN EARLY ARABIA, P. 50.
وانظر في الإجارة من الموت قصة الأعشى مع عامر بن الطفيل في الأغاني 9/ 120، 121. [3] SMITH; KINSHIP AND MARRIAGE IN EARLY ARABIA, P. 51.
وفي أخبار أوفى بن مطر المازني أن رجلا جاوره "ومعه امرأة له، فأعجبت قيسا أخاه، فجعل لا يصل إليها مع زوجها، فقتل زوجها غيلة، فبلغ ذلك أوفى، فقتل قيسا أخاه بجاره" "ابن حبيب: المحبر/ 348". [4] لسان العرب: مادة "هدي": والهدي: القربان.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 96