اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 95
القبيلة، وتصرفه تصرفا فرديا بدون رضاها أو الرجوع إليها، فتجد القبيلة نفسها أمام فرد "شاذ" خرج على إجماعها، ورفض السير في ركابها، وترى أنه بتصرفه هذا قد ترك لها حرية التصرف، وأنها أصبحت في حل من ذلك العقد الاجتماعي الذي يربطها به، فلم تعد مسئولة عما يفعل، فتتبرأ منه وتطرده من حماها، وتسحب منه "الجنسية القبلية"، وتعلن أنها قد خلعته، وأن صلته بها قد انقطعت، وحمايتها له قد انتهت، وتضامنها معه قد انحلت عقدته.
وكان هذا الخلع يتخذ صورة إعلان رسمي يذاع على الناس في المواسم والأسواق، ليكون في ذلك إشهاد لهم عليه[1]، وقد يبعثون مناديا بذلك[2]، وقد يكتبون به كتابا[3]، وبهذا تسقط حقوق الفرد على قبيلته "فلا تحتمل جريرة له، ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه"[4].
وهنا يجد الخليع نفسه أمام مشكلة خطرة، هي مشكلة الحياة أو الموت. لقد سحبت منه "الجنسية القبلية"، ورفعت القبيلة عنه حمايتها، وطردته من حماها، ولم تعد أمامه إلا أحد أمرين: إما أن يفر إلى الصحراء ليلاقي مصيره في البادية القاسية فقيرا مفردا، لا اعتماد له على أحد، ولا على شيء، وإما أن يلجأ إلى من يحميه ويعيش في جواره، ومن هنا كانت نشأة قانون آخر من قوانين المجتمع الجاهلي، وهو "قانون الجوار"[5].
وقد قدس المجتمع الجاهلي هذا القانون تقديسا كبيرا، وكان مما يفخر به [1] انظر الزمخشري: أساس البلاغة، مادة "خلع". وقد خلعت خزاعة قيس بن الحدادية "بسوق عكاظ، وأشهدت على أنفسها بخلعها إياه" "الأغاني 13/ 2 بولاق". [2] خلع بنو سهم في الجاهلية عمرو بن العاص، كما خلع بنو مخزوم عمارة بن الوليد؛ إذ هما في الحبشة، خشية أن يتعدى أحدهما على الآخر فتُؤخذ عشيرته به"، "وتبرأ كل قوم من صاحبهم ومما جرا عليهم، فبعثوا مناديا ينادي بمكة بذلك" "الأغاني 9/ 57". [3] انظر جرجي زيدان: تاريخ التمدن الإسلامي 4/ 19، وانظر أيضا:
lammens; la mecque a la veille de l'hegire, P. 164 = 242. [4] الأغاني 13/ 2 "بولاق". وانظر أيضا ابن حبيب: المحبر/ 195. [5] في القاموس المحيط "مادة الجور": الجوار أن تعطي الرجل ذمة فيكون بها جارك فتجيره، والجار أيضا الحليف.
اسم الکتاب : الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي المؤلف : يوسف خليف الجزء : 1 صفحة : 95