اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 64
والجلود القشرة، والأقفاء العظيمة، والأكسية الفرغانية. وكذلك جميع تلك الأرباع، لا تفصل بين أبناء النازلة وبين أبناء النابتة.
ومحبة الوطن شيءٌ شامل لجميع الناس، وغالب على جميع الجيرة. ولكن ذاك في الترك أغلب، وفيها أرسخ؛ لما معها من خاصة المشاكلة والمناسبة، واستواء الشبه، وتكافي التركيب. ألا ترى أن العبدي يقول: " عمر الله البلدان بحب الأوطان "، وأن ابن الزبير قال: " ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم "، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لولا تفرق أهواء العباد لما عمَّر الله البلاد "، وأن جمعة الإيادبة قالت: " لولا ما أوصى الله به العباد من قفر البلاد، لما وسعهم وادٍ ولا كفاهم زاد ".
وذكر قتيبة بن مسلم الترك فقال: " هم والله أحن من الإبل المعقلة إلى أوطانها "؛ لأن البعير يحن إلى وطنه وعطنه، وهو بعمان، من ظهر البصرة، فهو يخبط كل شيء ويستبطن كل وادٍ، حتى يأتي مكانه؛ على أنه طريقٌ لم يسلكه إلا مرةً واحدة، فلا يزال بالشم والاسترواح وحسن الاستدلال، وبالطبيعة المخصوص بها حتى يأتي مبركه، على بعد ما بين عمان والبصرة.
اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 64