اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 63
الإلف للعادة، مع ما كانوا يتذاكرون من سرور الظفر وتتابعه، وحلاوة المغنم وكثرته، وملاعبهم في تلك الصحارى، وتردُّدهم في تلك المروج، وألا يذهب بطول الفراغ فضل نجدتهم باطلاً، ويصير حدهم على طول الأيام كليلاً.
ومن حذق شيئاً لم يصبر عنه، ومن كره أمراً فر منه.
وإنما خصوا بالحنين من بين جميع العجم لأن في تركيبهم وأخلاط طبائعهم من تركيب بلدهم وتربيتهم، ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم، ما ليس مع أحدٍ سواهم. ألا ترى أنك ترى البصريَّ فلا تدري أبصريٌّ هو أم كوفيٌّ، وترى المكيَّ فلا تدري أمكيّ هو أم مدنيّ. وترى الجبليَّ فلا تدري أجبليٌّ هو أم خراسانيّ، وترى الجزريَّ فلا تدري أجزريٌّ هو أم شاميّ. وأنت لا تغلط في التركيّ، ولا تحتاج فيه إلى قيافةٍ ولا إلى فراسة، ولا إلى مساءلة. ونساؤهم كرجالهم، ودوابهم تركيةٌ مثلهم.
وهكذا طبع الله تلك البلدة، وقسم لتلك التربة. وجميع دور الدنيا ونشوُّها إلى منتهى قواها ومدة أجلها، جارية على عللها، وعلى مقدار أسبابها وعلى قدر ما خصها الله تعالى به وأبانها، وجعل فيها. فإذا صاروا إلى دار الجزاء، فهي كما قال اللَّه تعالى: " إنا أنشأناهنَّ إنشاءً ".
وكذلك ترى أبناء العرب والأعراب الذين نزلوا خراسان، لا تفصل بين من نزل أبوه بفرغانة وبين أهل فرغانة، ولا ترى بينهم فرقاً في السبال الصهب
اسم الکتاب : الرسائل المؤلف : الجاحظ الجزء : 1 صفحة : 63