(4) وكثيراً ما تُحذَفُ أداة النداء ولا سيما في نداء الرّبّ ودُعائه، فتكون مقدَّرة ذِهناً، مثل: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمناً - رَبّ اغْفِر لي وَلأِخي - رَبّ زِدْنِي عِلماً - رَبِّ انْصُرنِي بمَا كذَّبُونِ".
والأداةُ التي تُقدَّرُ عند الحذف هي: "يا" فيما ذكر النحاة.
أقول: إنّ حذف أداة النداء لَهُ دلالةٌ في نفس البليغ، وهي أنّ المنَادى هو في أقرب منازل القرب من المنادِي، حتّى لَمْ يحتج إلى ذكر أداة نداءٍ لَهُ لشدّةِ قُربِهِ، وهذا يليق بمقام دُعاءِ الرّبّ جلّ وعلا، فإذا قال الداعي "يَارب" فهو يعبرّ بذكر أداة النداء عن شِدَّةِ حاجة نفسه لما يدعو به، أو يعبّر عن ألمه أو استغاثته أو ضيقِ صدره، أو نحو ذلك من المعاني.
لذلك وجدتُ في القرآن أنّ كلّ نداءٍ فيه دعاءٌ للربّ قد حُذِفَتْ منه أداة النداء، باستثناء نِدَاءَيْنِ نَادَاهُما الرسُول محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد ذكر فيهما أداةَ النداء "يا" تعبيراً عن حالة نفسه الحزينة من أجل قومه الذين اتّخَذوا القرْآن مهجوراً بعد أن بلّغهم ما أُنْزِل عليه منه، وأسْمَعَهُمْ آياتِهِ، وأعادَهَا عليهم مَرَاتٍ ليفهموا دلالاتها فأصرُّوا على كُفْرهم وعنَادهم حتَّى رأى أنَّهُمْ لا يُؤْمِنُون مَهْمَا ذكَّرَهُمْ وأقنعهم وحذَّرَهُمْ وأَنْذَرَهُمْ.
فالأول: ما جاء في سورة (الفرقان/ 25 مصحف/ 42 نزول) بقول الله عزَّ وجلَّ فيها:
{وَقَالَ الرسول يارب إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هاذا القرآن مَهْجُوراً} [الآية: 30] .
فذكَر الرسول حرف النداء "يا" مع أنه يُنَادِي ربَّهُ الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد، ليعبّر بمدّ صوته بأداة النداء عن حزنه منْ أجل قومه، وتلَهُّفِهِ لاستجابتهم، وحِرْصِه على نجاتِهِمْ من عذاب ربّهم في جهنم دار عذاب الكافرين يوم الدين.
والثاني: ما جاء في سورة (الزخرف/ 43 مصحف/ 63 نزول) :
{وَقِيلِهِ يارب إِنَّ هاؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [الآية: 88] .