اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 172
بل إن أحمد شمس الدين حجاجي يذهب إلى أبعد من ذلك, فيقرر أن "الكلمة" هي نفسها الأسطورة في حالة ارتباطها بالعقيدة، وحينما تطور تفكير الإنسان ليحدد معنى الألوهية ظلّت الكلمة الصادرة عن الإله لها قداستها، ولهذا فإن كلمة أسطورة مشتقة من لفظ "Mythos" التي كانت تعني المنطوق عند اليونان.
ويحدد "لويس سبنس" العلاقة بين الأسطورة والشعر بأن "بعض أشكال الشعر الأولى، وربما أنقاها، نتاج مباشر لحلقات من الانطباعات الطبيعية في ذهن الإنسان، وعلى هذا فإن الشعر والأسطورة انبثاق من الطبيعة"[1], ويخالف "بريسكوت" هذا الرأي, ويرى أن الأسطورة "أدركت العقل أولًا، ثم جسّدت وعبّر عنها في النحت والشعر والملحمة والمسرحية، ومن الخطأ اعتبار هذه الفنون على أنها ذات أصل ديني فقط"[2].
ولقد احتفظ الشعر حين انسلخ عن المعبد، في مرحلةٍ ما من مراحل الفكر الإنساني، بعلاقته بالأسطورة، ولم يكن الشعر العربي بدعًا بين الفنون الشعرية الإنسانية، فقد ارتبط بالأسطورة أيضًا إلى حد كبير، ونحن نعلم بأن الذي بين أيدينا من الشعر الجاهلي مكتمل, ولا تعرف بداياته على وجه التحديد، كما أن هذا الشعر قد تَمَّ الفصل فيه بين كلٍّ من الكاهن والساحر والشاعر، نجد هذا واضحًا في الأخبار وفي كتب السيرة أيضًا وكتب التفسير، بل إننا نجد أن وظيفة كلٍّ منهم قد تحدَّدت، وانفصلت عن بعضها بعضًا[3], ومع هذا الانفصال في وظائفهم بقيت الكلمة هي أداتهم، وهي التي ارتبطت بالأسطورة ارتباطًا تامًّا.
ولقد حدَّثنا الرواة عن شياطين الشعراء، كما حدثونا عن وادي عبقر الذي يسكن فيه الجن، كما أخبرنا الشعراء أنفسهم في أشعارهم عن أسماء شياطينهم، "فلاحظ بن لاحظ" شيطان امرئ القيس، و"أبو مسحل" شيطان الأعشى، و"هبيد" شيطان عبيد بن الأبرص, "وهارد" شيطان النابغة.
وبعد هذه العجالة نود أن نعرض للمنهج الأسطوري في دراسة الشعر الجاهلي ورواده، ومسوغاتهم، وكيفية الإفادة منه، وما يؤخذ عليه. [1] المرجع نفسه، ص43. [2] أحمد شمس الدين حجاجي، فصول، مجلد4، عدد2 "1984م"، ص43. [3] انظر ما ورد في كتب السيرة والتفسير حينما اتهموا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنكروا عليه النبوة.
اسم الکتاب : الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا المؤلف : عفيف عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 172