تقول حميت القوم حماية إذا نصرتهم، وحميت المكان من الناس إذا منعته منهم، والمصدر الحمي والاسم الحماية، كما في المصباح، وفي الكامل للمبرّد: "يقال حميت الناحية أحميها حمياً وحماية.. ومعنى ذلك منعت ودفعت، ويقال أحميت الأرض جعلتها حمى لا تقرب –1/259". ونحو ذلك في الأساس قال الزمخشري: "حميت حماية.. حميت المكان: منعته أن يُقرب، فإذا امتنع وعزّ قلت أحميته أي صيّرته حمى، فلا يكون الإحماء إلا بعد الحماية ولفلان حمى لا يقرب.. ومن المجاز حميته أن يفعل كذا إذا منعته"، وحمي فيما تقدم فعل متعد إلى مفعول واحد، فهل يتعدّى إلى اثنين، فنقول (حميته الشر والأذى) إذا حميته منهما؟ أقول جاء لأبي ذؤيب أو لمالك بن خالد الخناعي قوله:
صيدٌ ومستمتعٌ بالليل هجّاسُ
يحمي الصريمة أحدان الرجالِ له
فقرئ أحدان بالرفع على الفاعلية والصريمة بالنصب على المفعولية. لكنه قرئ كذلك بنصب الصريمة ونصب أحدان، والصريمة موضع وأحدان ما انفرد من الرجال، وهجّاس يهجس ويفكر في نفسه. وقد قال الأخفش في معناه: يحمي الصريمة من أحدان الرجال على حد قولك حميت الدار اللصّ. هذا ما جاء في شرح أشعار الهُذَليين لأبي سعيد الحسن بن الحسين السكري (1/227) . وعلى هذا قول ابن جني في الخصائص (1/442) : "فأما هجنه الطبع وكدورة الفكر وخمود النفس وخيس الخاطر وضيق المضطرب فنحمد الله على أن حماناه" بمعنى حمانامنه، فعدّى إلى مفعولين.
وجاء في رسالة ابن القارح علي بن منصور الحلبي إلى المعري، حديث رسول الله ?: "إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا/ 27" أي حماه من شرورها، وكأن قولك حميتك الشر محمول على وقيتك الشر. ففي الأساس: "وقاه الله كل سوء، ومن السوء، وقاية". وهكذا قولك حميتك الشر ومن الشر.
ويتعدى (حمى) إلى مفعولين بمعنى آخر. ففي الأساس "وحميت المريض الطعام حِمية".