ومن هذه اللهجات لهجة قديمة داخلية تحدثت رقمها التي كشفت في موقع أو مدينة إبلا عن حضارة شامية زاهرة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وقد سطرت بخط مسماري لا يتألف من حروف، بل من رموز مقطعية، وقد بسط القول فيها علماء في مقدمتهم العالم الإيطالي جيوفاني بيتيناتو.
وقد كتبت الآكادية وفروعها بالكتابة المسمارية التصويرية والمقطعية أيضاً، كما كتبت بها اللغة السومرية، وليست السومرية هذه من أخوات العربية، بل هي لغة قائمة برأسها، ولو كانت حضارة السومريين سلفاً حضارياً للأكاديين خاصة، بل أقدم سلف حضاري للعرب عامة. شأنها في ذلك شأن الحضارة المصرية القديمة. على أن من العلماء من قال حديثاً بتقارب اللغتين السومرية والأكادية وإنهما ذواتا أصول واحدة وقد أثبتت الكشوف الأثرية أن بلاد الشام مهد حضاري تلاقت به ثقافات لم تخف فيها ملامح الوحدة، وهي تؤلف وبلاد الرافدين جزءاً من وحدة جغرافية، هي بلاد العرب جميعاً. وأثمن ما حملته حضارتها أبجدية الكتابة والوحدانية في الدين والعقيدة.
الاستئناس بأصول ما أسمي باللغات السامية في تبين أصول العربية
وليس الاستئناس بأصول هذه اللغات للكشف عن بعض أصول اللغة العربية بدعاً، في هذا الباب، فقد شاع في لغة طيء وبني الحارث من كعب وأزدشنودة، إسناد الفعل إلى الضمير وإلى الظاهر معاً، وقد أسموا هذا لغة (أسروا النجوى الذين ظلموا) أو لغة (أكلوني البراغيث) . وقد عمد النحاة إلى تأويل ما جاء من ذلك بإبدال الظاهر من الضمير، أو رفع الظاهر على أنه مبتدأ مؤخر، أو أن ما يتصل بالفعل حروف تدل على التثنية والجمع، لا ضمائر، وهو الأكثر.