ولا شك في أن الاستقراء أقصر سبيل للفحص عن ذلك والوصول إلى الحكم فيه، ولكنه ليس السبيل الوحيد، في كل حال، كما أراد السامرائي أن يقول، إذ ثمة سبل أخرى، ومنها النظر في حال (الفعل) وشأنه في اللغات التي أسموها بالسامية.
فإذا كان الأرسوزي قد نحا نحو المثالية والمتصوفة في الاهتداء إلى شأن الفعل في اللسان العربي، فقد دل البحث أن الفعل هو الركن الرئيس، الشائع في التعبير، في هذه اللغات، كما أشار إلى ذلك الدكتور إسرائيل ولفنسون في كتابه (تاريخ اللغات السامية) حين قال:
"أما في اللغات السامية فالفعل هو كل شيء، فمنه تتكون الجملة، ولم يخضع للاسم والضمير، بل نجد الضمير مسنداً إلى الفعل ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً/ 15". فالفعل هو الغالب في التعبير، ومتى ارتبط الاسم الظاهر أو الضمير بالفعل ارتباطاً وثيقاً، كان فاعلاً للفعل وكانت الجملة فعلية، على أن صحة التعبير أن يقال: "أسند الفعل إلى الضمير أو الظاهر، لا العكس. ولا يمنع شيوع استعمال الفعل في التعبير أن يخلو الكلام المفيد منه حيناً، على حين لا يخلو من الاسم البتة.
ولا يخفى أن الذي عنوه باللغات السامية اللغات الآكادية والآشورية والبابلية والكنعانية والآرامية ... وهي تعد أخوات للغة العربية، بل هي لهجاتها الموغلة في القدم. ومن هذه اللغات: الأوغاريتية، أو الكنعانية الشمالية التي كشفت حديثاً في رأس شمرة، على بعد تسعة كيلو مترات من اللاذقية. وقد اعتدها عضو المجمع الفرنسي، كلود شيفر، أقدم مصدر للغة العربية، وهي في حقيقة الأمر أقدم لغة ذات أبجدية، إذ ترجع إلى القرن الرابع عشر، قبل الميلاد. والأوغاريتية تشبه العربية كل الشبه، لا من حيث ألفاظها وحسب، بل من حيث قواعد نحوها في الأداء والتعبير، فهي ليست إلا لهجة عربية قديمة، عدا شبهها بالآشورية والبابلية والآرامية.