ومما جاء من ذلك في التنزيل قوله تعالى: (وأسرّوا النجوى الذين ظلموا- الأنبياء/3 (، وقوله تعالى: (ثم عَموا وصَمُّوا كثيرٌ منهم- المائدة/ 72 (. ومنه الحديث الشريف: [يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار] ، والحديث الشريف: [من كنّ له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة] . قال الإمام أبو البقاء العكبري في كتابه (إعراب الحديث النبوي) : "وقع في هذه الرواية: كنّ بتشديد النون، والوجه: من كان له أو كانت له. والوجه من الرواية المشهورة: أنه جعل النون علامة مجردة للجمع، وليست اسماً مضمراً –137/318". وقد جاء نحو من ذلك أيضاً في الشعر الجاهلي والأموي والعباسي.
ويمكن القول: إن إسناد الفعل على الوجه المذكور، قد شاع كذلك في بعض اللغات السامية، ومنها اللغة الآرامية. فانظر إلى ما جاء في كتاب (الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية) للدكتور داود الحلبي الموصلي. قال الأستاذ داود الموصلي: "ومن الآثار النحوية في القواعد العربية أن الفعل إذا تقدم الفاعل لا يطابقه في الجمع والتثنية، بل يبقى على أفراده. أما في الآرامية فيطابقه في الإفراد والجمع. وقد تابعت العامة القاعدة في الآرامية فهي تقول: راحوا إخوتي، وكان الأجدر أن يقال: راح إخوتي"، وأردف: "إن هذا النوع من تأثير الآرامية وقع في القديم للعرب المحتكين بالأقوام الآرامية كعرب الحيرة، وشمالي الحجاز، وعرفته النحاة وسمَّته لغة أكلوني البراغيث5" وواقع الأمر أن مساكن طيء كانت في وسط نجد، وبني الحارث في نجران من اليمن، والقبيلتان من أشهر القبائل اليمنية، وكان لهما شأن في التجارة، بشمال بلاد العرب.
وقد فعل ذلك وسبق إليه الدكتور فيليب حتى، في كتاب (اللغات السامية المحكية في سورية ولبنان/ 1922" إذ أشار إلى ما في السريانية من إسناد الفعل إلى فاعلين مضمر وظاهر، والسريانية، كما لا يخفى لهجة من لهجات الآرامية الشرقية.