وقد ذهب الدكتور صبحي الصالح في كتابه (دراسات في فقه اللغة/ 199) إلى أن الأئمة قد بنوا مذهبهم في رد الأفعال إلى المصادر، على اعتقاد وجود أسماء المعاني قبل أسماء الأعيان، وهو محال، ومن ثم وجب رد الأفعال في نشأتها إلى أسماء الأعيان. قال الدكتور الصالح: "إن البداهة تقضي بوجود أسماء الأعيان المشاهدة المرئية التي تناولتها الحواس، قبل أسماء المعاني. لذلك كانت الأعيان، هي أصل الاشتقاق دون المصادر.. كيف وقد امتلأت معاجمنا وكتبنا اللغوية بما لا يُحصى من الجواهر التي تفرعت عنها الصفات والأحوال والمصادر والأفعال". أقول لم يسبق إلى اعتقاد الأئمة أن المصادر قد وضعت قبل أسماء الجواهر البتة، وهذا حالهم حين قالوا الاسم قبل الفعل، فانظر إلى ما قاله ابن جني في الخصائص (1/429-432. ط- 1913) : "وإنما يعني القوم بقولهم أن الاسم أسبق من الفعل أنه أقوى في النفس، وأسبق في الاعتقاد من الفعل، لا في الزمان.. فأما الزمان فيجوز أن يكونوا عند التواضع قدموا الاسم قبل الفعل، ويجوز أن يكونوا قدموا الفعل في الوضع قبل الاسم.." وأردف: "فإذا رأيت بعض الأسماء مشتقاً من الفعل، فكيف يجوز أن يعتقد سبق الاسم للفعل في الزمان، وقد رأيت الاسم مشتقاً منه، ورتبة المشتق منه أن يكون أسبق من المشتق نفسه" وانتهى من ذلك إلى القول: "وأيضاً فإن المصدر مشتق من الجوهر كالنبات من النبت وكالاستحجار من الحجر، وكلاهما اسم..".