ولكن إذا صح أن الأفعال في الأصل إنما انتزعت من أسماء الأعيان، وكان الأمر على هذا جارياً، فما تأويل قول ابن جني في الخصائص (2/433) : "اشتقاق العرب من الجواهر قليل جداً، والأكثر من المصدر"، وقول السيوطي في المزهر (1/203- ط. المكتبة الأزهرية) : "والتاسع كون الأصل جوهراً والآخر عرضاً لا يصلح للمصدرية، ولا شأنه أن يشتق منه، فإن الرد إلى الجوهر حينئذ أولى لأنه الأسبق، فإن كان مصدراً تعيَّن الردّ إليه، لأن اشتقاق العرب من الجوهر قليل جداً والأكثر من المصادر".
أقول لا شك أنه إذا نظر إلى اشتقاق لفعل بملحظ (نشوئي) فإن أسماء المحسوسات كالجواهر أو أسماء الأعيان، هي الأصل في هذا الاشتقاق فهي الأشياء التي تتناولها الحواس قبل أن تنتهي مدلولاتها إلى آفاق النفس. لكنك إذا اعتبرت كلام الأئمة وجدت أنهم قد نحوا في اشتقاق الفعل منحى آخر، ذلك أنهم لحظوا أن المصدر ألصق بالفعل من حيث بناؤه وما يعتري هذا البناء وما يعترضه من الاتباع والإبدال والقلب والإعلال، فقرنوا هذا إلى ذاك، لأن كلاً أشبه بصاحبه من حيث كيانه وما يمكن أن يتعرض لها في التصريف. وملحظهم هذا ملحظ (صرفي) لا (نشوئي) .