والوجه الرابع عندي ضعيف، لأن نزع الخافض مع غير أنْ وأنَّ وكي غير قياسي، ولا ينبغي حمل إعراب الآيات على وجه ضعيف، ما أمكن حملها على وجه أقوى منه، ولاسيما أن من الأوجه ما يدعمه السياق.
وقال تعالى: {إنَّ الصَّفا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَو اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أن يَّطّوَفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيراً فَإنَّ اللهَ شاكِرٌ عَليمٌ} [1].
وقال تعالى: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أُخُرَ وَعَلى الَّذينَ يُطيقونَه ُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَنْ تَصُوموا خَيْرٌ لَّكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمونَ} [2].
في توجيه نصب (خيراً) في الآيتين الكريمتين أربعة أقوال3:
الأول: أنه منصوب على نزع الخافض، أي: تطوّع بخير فنزع الخافض، وانتصب (خيراً) ، وتعضد هذا الوجهَ قراءةُ ابن مسعود: (ومن تطوع بخير) [4].
الثاني: منصوب على تضمين الفعل (تطوّع) معنى (فَعَلَ) فيكون المعنى ومن فَعَلَ خيراً.
الثالث: مفعول مطلق نائب عن المصدر الأصلي، لأنه وصف له في الأصل، والتقدير ومن يتطوّع تطوّعاً خيراً فحذف المصدر وحلت صفته محله. [1] البقرة: 158. [2] البقرة: 184.
3 ينظر في التوجيهات: التبيان:131،والفريد:1/397، والبحر:2/68، والدر:2/192. [4] ينظر في القراءة: الفريد: 1/397، البحر: 2/68.