اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 76
وقال الآخر:
[45]
قَضَي كل ذي دين فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... وعزَّة مَمْطُولٌ مُعَنَّى غَرِيمُهَا
= لكونه متقدما وقد طلب المعمول قبل أن يطلبه الثاني، أم العامل الثاني أولى لكونه أقرب إلى المعمول ومجاورًا له، وأما العامل الأول فهو مفصول من المعمول بالعامل الثاني على الأقل؟ ولا نرى لك أن تحاول ترجيح إحدى هاتين القضيتين؛ فإن لكل منهما مستندًا من التعليل والقياس، لا من الاستعمال العربي.
[45] هذا البيت لكثيّر بن عبد الرحمن المشهور بكثير عزة، وهو من شواهد الأشموني "رقم 411" وأوضح المسالك "رقم 241" وممطول: اسم المفعول من قولك "مطل المدين دائنه يمطله -من باب نصر-" وذلك إذا لواه بدينه وسوّف في قضائه ولم يؤده، و"معنى" اسم المفعول من قولك "عنى الأمر الفلاني فلانًا -بتضعيف عين الفعل وهي النون هنا-" وذلك إذا شق عليه الأمر وكان سببًا في عنائه وشقوته، والاستشهاد في هذا البيت في موضعين: الأول في قوله "قضى كل ذي دين فوفّى غريمه" فإن هذه العبارة من باب التنازع، فقد تقدم عاملان -وهما قوله "قضى" وقوله "وفّى"- وتأخر عنهما معمول واحد وهو قوله "غريمه" وكل واحد من العاملين المتقدمين يطلب المعمول المتأخر مفعولًا، وقد أعمل الشاعر المعمول الثاني منهما في لفظ المعمول، والدليل على أنه أعمل الثاني هنا أنه لم يصل ضمير المعمول بالعامل الثاني، لأنه لو كان قد أعمل الأول لوجب أن يقول "قضى كل ذي دين فوفاه غريمه" على أن يكون تقدير الكلام: قضى كل ذي دين غريمه فوفاه، والموضع الثاني من موضعي استشهاد المؤلف بالبيت قوله "ممطول معنى غريمها" فإن ظاهر هذه العبارة أنها من باب التنازع؛ لتقدم عاملين وهما قوله "ممطول" وقوله "معنى" وتأخر عنهما معمول واحد وهو قوله "غريمها" وكل واحد من هذين العاملين يطلبه نائب فاعل؛ لأن كل واحد منهما اسم مفعول على ما بيّنا، وأنت تعلم أن اسم المفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول. وقد اغتر المؤلف بهذا الظاهر؛ فخيل إليه أن العبارة من باب التنازع، وأن الشاعر قد أعمل العامل الثاني، لأنه لو كان قد أعمل العامل الأول لوجب عليه أن يقول: وعزة ممطول معنى هو غريمها؛ فيكون "هو" نائب فاعل معنى، وغريمها: نائب فاعل ممطول، فإن قلت: فلماذا لا يكون في "معنى" ضمير مستتر جوازًا تقديره هو ويكون هذا الضمير نائب فاعل معنًى على تقدير إعمال ممطول في لفظ المعمول المتأخر؟ فالجواب على هذا أن نقول: إن قوله "وعزة" مبتدأ، وخبره قوله "ممطول" والمطول وصف الغريم لا وصف عزة، فقد جرى ضمير الخبر على غير مبتدئه، وإذا جرى ضمير الخبر على غير المبتدأ وجب إبراز ذلك الضمير، هكذا خيل للمؤلف، وهو كلام منقوص من ثلاثة أوجه؛ الوجه الأول: أن وجوب إبراز الضمير من الخبر إذا جرى هذا الضمير على غير مبتدئه هو مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنه لا يجب إبراز الضمير من الوصف إذا جرى على غير موصوفه، كما بينه المؤلف نفسه في المسألة رقم 8 السابقة، وإذا كان الأمر كذلك لم يجز أن يحتج على مذهب قوم بمذهب قوم آخرين كما هو مقرر في علم الجدل، والوجه الثاني: أن الشاعر لو كان قد أعمل العامل الثاني لوجب =
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين المؤلف : الأنباري، أبو البركات الجزء : 1 صفحة : 76