اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 69
فالجواب أن بين الضمة والكسرة من القرب والتناسب ما ليس بينهما وبين الفتحة، فجاز أن يتكلف نحو ذلك بين الضمة والكسرة، لما بينهما من التجانس فيما قد تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب، وفيما سنذكره أيضا في أماكنه، وهو مع ذلك قليل مستكره، ألا ترى إلى كثرة قيل وبيع وغيض[1]، وقلة نحو: مذعور وابن بور.
ولعل أبا الحسن أيضا إلى هذا نظر في امتناعه من إعلال[2] الواو في مذعور، وتركها واوا محضة، لأن له أن يقول أن الحركة التي قبل الواو لم تتمكن في الإعلال والإشمام تمكن الفتحة في الإشمام نحو عالم وقام، ولا تمكن الكسرة في قيل وبيع فلما كان الإشمام في مذعور ونحوه عنده والعمل خلسا[3] خفيا، لم يقو على إعلال الواو بعده، كما اعتلت الألف في نحو عالم وقام، والكسرة في نحو قيل وغيض فلذلك لم تعتل عنده الواو في مذعور وابن بور، وأخلصها واو محضة.
فهذا قول من القوة على ما تراه، وإن شئت فقل أن الضمة وإن نحي بها نحو الكسرة فلقربها منهاوبعدت الفتحة منها فلم يجز فيها ما جاز في الكسرة القريبة. فلما بطل ذلك في الضمة، حملت الكسرة عليها، لأنها أختها، وداخلة في أكثر أحكامها، ويشهد لهذا القول أنهم أدغموا النون في الميم، لاشتراكهما في الغنة والهوي في الفم، ثم إنهم حملوا الواو في هذا على الميم، بأنها من الشفة، وإن لم تكن النون من الشفة.
ثم إنهم أيضا حملوا الياء على الواو في هذا، لأنها ضارعتها في المد، وإن لم تكن معها من الشفة، فأجازوا إدغام النون في الياء، فالميم نحو قولهم: من معك؟ والواو نحو قولهم: من وعدت؟ والياء نحو قوله عز اسمه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُول} [4]، فكما جاز حمل الواو على الميم، ثم حمل الياء على الواو فيما ذكرنا، [1] وضعنا ضمة فوق كل من القاف والباء والغين للدلالة على إمالة الكسرة نحو الضمة. [2] المراد بالإعلال هنا: إشمام الواو رائحة الياء، وليس قلبها ياء خالصة. [3] خلسا: على حين غفلة. مادة "خلس". اللسان "2/ 1226". [4] الآية شاهد على إدغام النون في الياء وهذا إدغام بغنة.
والحروف التي تدغم مع النون هي حروف كلمة "يرملون" أربعة منها بغنة واثنين بدون غنة. فأما الأربعة فهم: "ي، ن، م، و" وأما الحرفين اللذين بدون غنة فهما: "ر، ل".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 69