اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 68
وأما الضمة المشوبة بالكسرة فنحو قولك في الإمالة: مررت بمذعور، وهذا ابن بور. نحوت بضمة العين والباء نحو كسرة الراء، فأشممتها شيئا من الكسرة، وكما أن هذه الحركة قبل هذه الواو ليست ضمة محضة، ولا كسرة مرسلة، فكذلك الواو أيضا بعدها، هي مشوبة بروائح الياء، وهذا مذهب سيبويه، وهو الصواب، لأن هذ الحروف تتبع الحركات قبلها، فكما أن الحركة مشوبة غير مخلصة، فالحرف اللاحق بها أيضا في حكمها. وأما أبو الحسن فكان يقول: مررت بمذعور وهذا ابن بور، فيشم الضمة قبل الواو رائحة الكسرة، ويخلص الواو واوا محضة البتة، وهذا تكلف فيه شدة في النطق، وهو مع ذلك ضعيف في القياس. فهذا ونحوه ما لا بد في أدائه وتصحيحه للسمع، من مشافهة توضحه، وتكشف عن خاص سره.
فإن قيل: فلم جاز في الفتحة أن ينحى بها نحو الكسرة والضمة، وفي الكسرة أن ينحى بها نحو الضمة، وفي الضمة أن ينحى بها نحو الكسرة، على ما قدمت ومثلت، ولم يجز في واحدة من الكسرة ولا الضمة أن ينحى بها نحو الفتحة؟
فالجواب في ذلك أن الفتحة أول الحركات، وأدخلها في الحلق، والكسرة بعدها، والضمة بعد الكسرة، فإذا بدأت بالفتحة، وتصعدت تطلب صدر الفم والشفتين، اجتازت في مرورها بمخرج الياء والواو، فجاز أن تشمها شيئا من الكسرة أو الضمة لتطرقها[1] إياهما، ولو تكلفت أن تشم الكسرة أو الضمة رائحة من الفتحة لاحتجت إلى الرجوع إلى أول الحلق، فكان في ذلك انتقاض[2] عادة الصوت، بتراجعه إلى ورائه، وتركه التقدم إلى صدر الفم، والنفوذ بين الشفتين، فلما كان في إشمام الكسرة أو الضمة رائحة الفتحة، هذا الانقلاب والنقض، ترك ذلك، فلم يتكلف البتة.
فإن قيل: فقد نراهم نحوا[3] بالضمة نَحو الكسرة في: مذعور ومنقور ونحوهما، والضمة كما تعلم فوق الكسرة، فكما جاز لهم التراجع في هذا، فهلا جاز أيضا في الكسرة والضمة أن ينحى بهما نحو الفتحة؟ [1] تطرقها: أي تبتغي إليها. مادة "طرق". اللسان "4/ 2665". [2] انتقاض: إفساد ما أبرمت. اللسان "6/ 4524". مادة "نقض". [3] نحوا: اتجهوا. اللسان "6/ 4371". مادة "نحو".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 68