اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 70
كذلك أيضا جاز أن تحمل الكسرة على الضمة في امتناع إشمامها شيئا من الفتحة.
ولهذا نظائر كثيرة في كلامهم، أتركها خوف الإطالة.
وقد كان يجب على أصحابنا[1] إذ ذكروا فروع الحروف، نحو ألف الإمالة وألف التفخيم، وهمزة بين بين، أن يذكروا أيضا الياء في نحو: قيل وبيع والواو في نحو: مذعور وابن بور.
على أنه قد يمكن الفصل بين الياء والواو، وبين الألف، بأنها لا بد من أن تكون تابعة، وأنهما قد لا تتبعان ما قبلهما.
وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع[2] ومن وجد قولا قاله، والله يعين على الصواب بقدرته.
فأما النون إذا أدغمت بغنة، والطاء والصاد والظاء إذا أدغمن بإطباق[3]، فقد قلبن إلى لفظ ما أدغمن فيه البتة، وما بقي من رائحة الإطباق، لا يخرج الحرف من أن يكون قد قلب إلى لفظ ما بعده، لأن شرط الإدغام أن يتماثل فيه الحرفان، فجرى الإطباق والغنة بعد الإدغام في قلة الاعتداد به[4] مجرى الإشمام الذي لا حكم له، حتى صار الحرف الذي هو فيه، في حكم الساكن البتة، وسترى القول فيه، والدلالة عليه.
فأما الحركة الضعيفة المختلسة كحركة همزة بين وبين وغيرها من الحروف التي يراد اختلاس حركاتها تخفيفا، فليست حركة مشمة شيئا من غيرها من الحركتين، وإنما أضيف اعتمادها، وأخفيت لضرب من التخفيف، وهي بزنتها إذا وفت[5] ولم تختلس. [1] المراد بأصحابنا هنا: هم البصريون وسيصرح المؤلف بذلك مرارا. [2] لنا أن نسجل هنا أن ابن جني يعد بحق من اللغوين العالميين الذين وضعوا أسس الدراسات الصوتية قبل أن تعرفها أوروبا في النهضة الحديثة. [3] الإطباق: أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلي مطبقا له فيفخم نطق الحرف.
وحروف الإطباق هي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. اللسان "4/ 2637". [4] الضمير راجع إلى الإطباق والغنة، والضمير فيما أثبتناه راجع إلى الإدغام، وكل التعبيرين له وجه. [5] إذا وفت: يقال أوفى فلانا حقه ووفاه ووافاه: إذ أتمه ولم ينقص منه شيئا، اللسان "6/ 4885".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 70