اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 149
وأما زيادتها في خبر المتبدأ فقوله تعالى: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس: 27] ، ذهب أبو الحسن[1] إلى أن الباء زائدة، وتقديره عنده: جزاء سيئة مثلها. وإنما استدل على هذا بقوله تبارك اسمه في موضع آخر: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وهذا مذهب حسن، واستدلال صحيح، إلا أن الآية قد تحتمل، مع صحة هذا القول، تأويلين آخرين.
أحدهما: أن تكون الباء مع ما بعدها هو الخبر، فكأنه قال: جزاء سيئة كائن بمثلها، كما تقول: إنما أنا بك، أي إني كائن موجود بك، إذا صغرت نفسك له، وكقولك: توكلي عليك، وإصغائي[2] إليك، وتوجهي نحوك، فتخبر عن المبتدأ بالظرف الذي فعل ذلك المصدر يتناوله، نحو قولك: توكلت عليك، وأصغيت إليك، وتوجهت نحوك.
ويدل على أن هذه الظروف في هذا ونحوه إخبار عن المصادر قبلها، تقدمها عليها، ولو كانت المصادر قبلها واصلة إليها، ومتناولة لها، لكانت من صلاتها، ومعلوم استحالة تقدم الصلاة أو شيء منها على الموصول، وتقدمها نحو قولك: عليك اعتمادي، وإليك توجهي، وبك استعاذتي. قال الله تعالى: {وَإِلَيْهِ مَآبِ} ، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} . وقال الكميت3:
فيا رب هل إلا بك النصر يبتغى ... عليهم وهل إلا عليك المعول4 [1] أبو الحسن: هو سعيد بن مسعد، المجاشعي الملقب بالأخفش الأوسط. [2] إصغائي: إنصاتي واستماعي في اهتمام وحضور ذهن. مادة "صغى".
3 الكميت: هو الشاعر الخطيب أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي الكوفي، ولد سنة60هـ، ونشأ بالكوفة، وقد نحى بشعره منحى سياسيا، من كبار شعراء الشيعة وتوفي سنة 126هـ.
4 يبتغى: يطلب. المعول: من عول عليه إذا ارتكن إليه واعتمد عليه.
الشرح: يا رب نصرنا على الأعداء لا يرتجى إلا منك ولا يعول إلا عليك.
الشاهد في قوله "عليك المعول" فهذا دليل على أن عليك ليست صلة لـ"المعول" ولو كانت كذلك لما تقدمت عليها.
إعراب الشاهد: عليك: جارومجرور خبر مقدم.
المعول: مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 149