اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 150
وسألت أبا علي عن قول كثير1:
وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت2
فقلت له: ما موضع تهيامي من الإعراب؟ فأفتى بأنه مرفوع بالابتداء، وخبره: بعزة. على نحو ما قدمنا آنفا، وجعل الجملة التي هي تهيامي بعزة -اعتراضا بين اسم إن وخبرها، لأن فيها ضربا من التشديد للكلام، كما تقول: إنك -فاعلم- رجل سوء، وإنه -والحق أقول- جميل المذهب.
وهذا الفصل والاعتراض الجاري مجرى التوكيد كثير في الكلام، وإذا جاز الاعتراض بين الفعل والفاعل في نحو ما أنشدنا أبو علي، من قوله:
وقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل3
كان الاعتراض بين اسم إن وخبرها أسوغ، وقد يحتمل بيت كثير أيضا تأويلا آخر غير ما ذهب إليه أبو علي، وهو أن يكون تهيامي في موضع جر على أنه قسم به، كقولك: إني -وحبك- لضنين[4] بك، وعرضت على أبي علي هذا الجواب فقبله، وأجاز ما أجاز، فالباء على هذا في "بعزة" متعلقة بنفس المصدر، الذي هو التهيام، وهي فيما ذهب إليه أبو علي متعلقة بمحذوف هو الخبر عن تهيامي في الحقيقة.
1 كثير: هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي وكنيته أبو صخر عشق جارية تدعى عزة وإليها نسب فقيل "كثيرة عزة".
2 التهيام: كثرة الهيام وهو ذهاب العقل من شدة الحب. عزة: اسم محبوبته.
الشرح: يقول: إني على ما كان من التهيام بعزة تخليت عما بي وتخلت هي أيضا.
الشاهد في قوله "وتهيامي بعزة". وقد أورد المؤلف وجهين منوجوه الإعراب له في المتن.
3 جمة: كثيرة. أسنة: رماح.
الشرح: لقد اعترضتني مع كثرة صروف الدهر حرب أقوام شداد أقوياء.
الشاهد: فيه الفصل بين الفعل والفاعل بالجملة الاعتراضية "الحوادث جمة".
إعراب الشاهد: قد: حرف تحقيق وتأكيد.
أدركتني: فعل ماضي مبني، والتاء حرف تأنيث والنون للوقاية، والياء: ضمير مبني في محل نصب مفعول به. والحوادث جمة: مبتدأ وخبر جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
أسنة: فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة. [4] ضنين: بخيل. مادة "ضن". القاموس المحيط "4/ 239".
اسم الکتاب : سر صناعة الإعراب المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 150