responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : اللغة العربية معناها ومبناها المؤلف : تمام حسان    الجزء : 1  صفحة : 227
التنغيم من نغمات أكثر مما يستعمله الترقيم من علامات؛ كالنقطة والفاصلة والشرطة وعلامة الاستفهام وعلامة التأثر, وربما كان ذلك لسبب آخر. ولكن الذي لا شكَّ فيه أن الكتابة إذا كان لها على النطق ميزة الدوام وإمكان الاستحضار مرة أخرى وإعادة التجربة وتخطي حدود الزمان والمكان, فإن النطق له عليها ميزة الحياة والحركة والموقف الاجتماعي, وربما أصحبت له قدرة مشاركتها عنصر الدوام وإمكان الاستحضار مرة أخرى, وإعادة التجربة, وتخطي حدود الزمان والمكان بعد اختراع أشرطة التسجيل والإذاعة والتليفزيون, وفي كل هذه المخترعات يحتفظ النص بدلالة النغمة وبالموقف الاجتماعي, ويزيد التليفزيون عليها الاحتفاظ بتعبيرات الملامح وحركات أجزاء الجسم كالرأس واليدين, مما يجعل الموقف أقرب شيء إلى الحياة.
لقد وصلنا التراث العربي مكتوبًا ففقد بذلك عنصر المقام الاجتماعي, ولذلك أصبح لزامًا على الكاتب قبل إيراد أيّ نص أدبي أن يعيد تكوين هذا المقام بوصف الأحداث كالذي نلاحظه في التقديم لخطبة الحجّاج في أهل العراق مثلًا.
ولم يكن لدى العرب نظام الترقيم كالذي نعرفه الآن, لقد كانت اللغة العربية الفصحى في عصرها الأول ككل لغات العالم, ربما أهملت أن تذكر الأدوات في الجملة اتكالًا على التعليق بالنغمة, فكان من الممكن مثلًا أن نفهم معنى الدعاء من قولهم: "لا وشفاك الله"" بدون الواو اتكالًا على ما في تنغيم الجملة من وقفة واستئناف, ومع ذلك لم يكن ثَمَّةَ مفر لمن دوَّنوا التراث من الاحتفاظ دائمًا بهذه الأدوات بسبب عدم وجود ذلك الترقيم أو التنغيم في الكتابة, فكان لا بُدَّ لهم من ضمان أمن اللبس في المعنى بواسطة اطراد ذكر الأدوات. ولكن شاعرًا كابن أبي ربيعة استطاع أن يحذف الأداة بلا لبس حين قال:
ثم قالوا: تحبها؟ قلت بهرًا ... عدد النجم والحصى والتراب
فقد أغنت النغمة الاستفهامية في قوله: تحبها؟ " بما له من صفة وسيلة التعليق عن أداة الاستفهام, فحذفت الأداة وبقي معنى الاستفهام مفهوم من البيت, وإنصافًا للحق هنا لا بُدَّ أن نشير إلّا أنه يمكن في بيت ابن أبي ربيعة

اسم الکتاب : اللغة العربية معناها ومبناها المؤلف : تمام حسان    الجزء : 1  صفحة : 227
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست