والذي يدلُ على ذلك أنهم جوزوا قطع الهمزة؛ ليدلوا على أنها قد صارت عوضًا عن همزة /القطع/[1]، فلما كانت عوضًا عن همزة القطع، وهي حرف من نفس الاسم، لم يمتنعوا[2] من أن يجمعوا بينهما.
والوجه الثاني: أنه إنما جاز في هذا الاسم خاصةً؛ لأنه كثر في استعمالهم؛ فخص على ألسنتهم، فجوزوا فيه ما لا يجوز في غيره.
[علة إلحاق الميم المشددة في لفظ الجلالة]
فإن قيل: فَلِمَ أُلحقت الميم المشددة في آخر هذا الاسم، نحو "اللهمَّ"؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب البصريون إلى أنها عوض من "يا" التي للتنبيه، والهاء مضمومة لأنه نداء؛ ولهذا، لا يجوز أن يجمعوا بينهما /فلا/[3] يقولون "يا اللهمَّ" لئلا يجمعوا بين العوض والمعوض. وذهب الكوفيون إلى أنها ليست عوضًا من "يا" وإنما الأصل فيه "يا الله أُمَّنا بخير" إلا أنه لَمّا كثر في كلامهم، وجرى على ألسنتهم، حذفوا بعض الكلام تخفيفًا، كما قالوا: "ايش" والأصل فيه: "أي شيء"، وقالوا: "ويْلُمِّه" والأصل فيه: "ويل أُمه"، وهذا كثير في كلامهم، فكذلك ههنا. قالوا: والذي يدلُ على أنها ليست عوضًا /عنها/[4] أنهم يجمعون بينهما، قال الشاعر[5]: [الرجز]
إني إِذَا ما حَدَثٌ أَلَمَّا ... أقولُ يا اللهمَّ يا اللَّهمَّا [1] سقطت من "س". [2] في "س" لم يجيزوا، وهو سهو من الناسخ. [3] سقطت من "س". [4] سقطت من "س". [5] الشاعر هو: أمية بن عبد الله بن أبي الصلت الثقفي، شاعر جاهلي من أهل الطائف، كان ممن حرموا على أنفسهم الخمرة، ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية، أدرك الإسلام، ولم يُسلم؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 5 هـ. الشعر والشعراء: 459/1، والأغاني: 179/3.
موطن الشاهد: "يا اللهمَّ، يا اللهمَّا".
وجه الاستشهاد: الجمع بين "يا" والميم المشددة في "اللهمَّ" وهذا يُعد من باب الضرورة عند البصريين. أما الكوفيون، فتمسكوا بهذا الشاهد وأمثاله؛ ليذهبوا إلى أن الميم المشددة في اللهمَّ ليست عوضًا من "يا" التي للتنبيه في النداء؛ فلو كانت كذلك؛ لما جاز أن يجمع بينهما؛ لأن العوض والمعوض لا يجتمعان؛ والصواب ما ذهب إليه البصريون؛ لما ذكره المؤلف في المتن.