وقال الآخر[1]: [الرجز]
وَمَا عَليكِ أَنْ تَقُولي كُلَّمَا
صلَّيتِ أو سبَّحتِ يا اللَّهمَّا
اردد علينا شيخنا مُسَلَّمَا
فجمع بين "الميم" و"يا"، ولو كانت عِوضًا عنها، لم يجمع بينهما؛ لأنَّ العوض والمعوض لا يجتمعان. والصحيح: ما ذهب إليه البصريون، وأما قول الكوفيين: إن أصله "يا الله أُمَّنا بخير" فهو فاسد؛ لأنه لو كان الأمر على ما /ذكروا/[2] وذهبوا إليه، لما جاز أن يستعمل هذا اللفظ إلا في ما يؤدي إلى[3] هذا المعنى، ولا شكَّ أنه يجوز أن يقال: "اللهم العنه، اللهم أخزه" وما أشبه ذلك؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [4]، ولو كان الأمر على ما ذهبوا إليه؛ لكان التقدير فيه: "أُمَّنا بخير إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم" ولا شك أن هذا التقدير ظاهر الفساد، إذ لا يكون أمّهم بالخير أن يمطر عليهم حجارة من السماء؛ أو يُؤتَوا بعذاب أليم؛ وقولهم: إنه يجوز أن يجمع بين "الميم" و"يا" بدليل ما أنشدوه، فلا حُجَّة فيه؛ لأنه إنما جُمع بينهما لضرورة الشعر، ولم يقع الكلام في حال الضرورة، وإنما سهَّل الجمع بينهما للضرورة، أن العِوضَ في آخر الكلمة، والجمع بين العِوض والمعوَّض جائز في ضرورة الشعر؛ /كما/[5] قال الشاعر[6]: [الطويل]
هُمَا نَفَثَا في فِيَّ مِنْ فَمَوَيهِمَا ... [على النابح العاوي أشد رجام] 7
فجمع بين "الميم" و"الواو" وهي عِوَض منها، فكذلك ههنا؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى. [1] لم يُنسب إلى قائل مُعين؛ والشاهد فيه كسابقة تمامًا. [2] سقطت من "س". [3] في "س" عن. [4] س: 8 "الأنفال: 32، مد". [5] زيادة من "س". [6] الشاعر هو: الفرزدق، وقد سبقت ترجمته.
7 موطن الشاهد: "فمويهما".
وجه الاستشهاد: الجمع بين الواو والميم -وهي عِوض منها- لضرورة الشعر، كما بيَّن المؤلف في المتن.