ولما صدر عنها وقد حسنت آثاره في تدبيرها، وانسدلت رعايته على صغيرها وكبيرها، نزل المعتمد عليه مشرفاً لأوبته، ومعرفاً بسمو قدره لديه ورتبته، وأقام يومه عنه مستريحاً، وجرى في ميدان الأنس بطلاً مشيحاً، وكان واجداً على الراضي فجلت الحميا أفقه، ومحت غيظه عليه وحقنه، وصورته له عين حنوة، وذكرته بعده فجنح إلى دنوه، وبينما استدعي ووافى، مالت بالمعتمد نشوته وأغفى، فألفاه صريعاً في منتداه، طريحاً في منتهى مداه، فأقام تجاهه، يرتقب انتباهه، وفي أثناء ذلك صنع شعراً أتقنه وجوده، فلما استيقظ أنشده: متقارب
الآن تعود حيوة الأمل ... ويدنو شفاء فؤاد معل
ويروق للعزّ غصن ذوي ... ويطلع للسعد نجم أفل
فقد وعدتني سحاب الرضى ... بوابلها حين جادت بطل
أيا ملكاً أمره نافذة ... فمن شاء عزّ ومن شاء ذّل
دعوتَ فطار بقلبي السرور ... إليك وإن كان منك الوجل
كما يستطيرك حبّ الوغا ... إليها وفيها الظبا والأسل
ولا غرو أن كان منك اغتفار ... وإن كان منّا جميعاً زلل
فمثلك وهو الذي لم يزل ... يعود بحلم على من جهل
ومرت عليه هوادج وقباب، فيها حبائب كن له وأحباب، الفهن أيام خلائه من دولة، وجال معهن في ميدان المنى أعظم جولة، ثم انتزعوا منه ببعده، وأودعوا الهوداج من بعده، ووجهوا هدايا إلى العدوة، وألموا بها إلمام قريش بدار الندوة، فقال: بسيط
مرّوا بنا أصلاً من غير ميعادِ ... فأوقدوا نار شوقي أيّ إيقادِ
وذكّرونيَ ايّاماً لهوت بهم ... فيها ففازوا بإيثاري وإحمادي
لا غرو أن زاد في وجدي مرورهمُ ... فروية الماء تذكي غلّة الصادي
ولما وصل المعتمد لورقة أعلم أن العدو قد جيش إليها واحتشد، ونهد نحوها وقصد، ليتركها خاوية على عروشها، طاوية الجوانح على وحوشها، فتعرض له المعتمد دون بغية، وطلع له من ثنيته، وأمر الراضي بالخروج إليه في عسكر جرده لمحاربته، وأعده لمصادمته ومضاربته، فأظهر التمارض والتشكي، وأكثر التقاعس والتلكي، فراراً من المصادر، وأحجاماً عن