responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 171
- حجُّ ابن عباس بالناس وكتاب عثمان إلى أهل مكة [1] (سنة 35 هـ/ 656 م) :
قال عثمان رضي اللَّه عنه وهو محصور: يا ابن عباس، اذهب إلى خالد بن العاص [2] وهو بمكة فقل له: يقرأ عليك أمير المؤمنين السلام ويقول لك: إني محصور منذ كذا وكذا يوماً لا أشرب إلا من الأجاج [3] ، وقد مُنعت بئراً اشتريتها من صلب مالي رومه، فإنما يشربها الناس ولا أشرب منها شيئاً، ولا آكل إلا مما في بيتي، مُنعت أن آكل مما في السوق شيئاً، وأنا محصور كما ترى، فأمره، وقل له فليحج بالناس وليس بفاعل. فإن أبى فاحجج أنت بالناس. قال ابن عباس: فقدمت الحج في العشر، فجئت خالد بن العاص فقلت له ما قال لي عثمان. فقال لي: هل لي طاقة بعداوة من ترى، وهذا الأمر لا يقضى إلا إليه يعني علياً وأنت أحق أن تحمل له ذلك، فحججت بالناس. ثم قفلت في آخر الشهر فقدمت المدينة، وإذا عثمان قد قتل، وإذا الناس يتواثبون على رقبة عليّ بن أبي طالب، فلما رآني عليّ ترك الناس وأقبل عَلَيَّ فانتجاني فقال: ما -[172]- ترى فيما وقع، فإنه قد وقع أمر عظيم كما ترى لا طاقة لأحد به. فقلت: أرى أنه لا بدَّ للناس منك اليوم فأرى أنه لا يبايع اليوم أحد إلا اتهم بدم هذا الرجل. فأبى إلا أن يبايع فاتّهم بدمه.
لما خرج ابن عباس يريد الحج مرَّ بعائشة رضي اللَّه عنها في الصّلصُل بنواحي المدينة على سبعة أميال منها فقالت: يا ابن عباس، أنشدك اللَّه فإنك قد أعطيت لساناً إزعيلاً [4] أن تخذل عن هذا الرجل، وأن تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورُفعت لهم المنار، وتحلبوا من البلدان لأمر قد جمّ. وقد رأيت طلحة ابن عبيد اللَّه قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح فإن يَلٍ يَسر بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي اللَّه عنه.
فأجابها ابن عباس: يا أمة لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا يعني علياً فقال: إيهاً عنك إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.
هذا يبين لنا موقف عائشة ورأيها، فإنها أرادت من ابن عباس أن يقوم بالدعوة ضد عثمان في مكة، وأن يشكك الناس فيه، وكانت تريد أن يتولى الخلافة بعد عثمان طلحة بن عبيد اللَّه، لا عليّ. وطلحة أسلم بدعوة أبي بكر الصدِّيق، وقد أبلى يوم أحد بلاءً عظيماً، ووقى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بنفسه، واتقى عنه النبل حتى شلُّت إصبعه، وضرب ضربة على رأسه، وحمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ظهره حتى صعد معه الصخرة، وكان شديداً على عثمان، وقتل يوم الجمل، وكان شهد ذلك اليوم محارباً لعليِّ بن أبي طالب. وقال طلحة يوم الجمل:
ندمت ندامة الكسعيّ لما ... شربت رضى بني جرم برغمي
اللَّهم خذ لعثمان حتى يرضى.
وقد كان أهل البصرة يريدون طلحة، كما كان أهل مصر يريدون عليّاً. أما أهل الكوفة فكانوا يشتهون الزبير.
فعائشة كانت تريد طلحة، ولا ترغب في عليّ رضي اللَّه عنه، ويرجع السبب في نفورها منه إلى حديث الإفك [5] فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما استشار علياً في شأن عائشة قبل أن ينزل الوحي ببراءتها قال: "يا رسول اللَّه لم يضيِّق اللَّه عليك والنساء سواها كثير".

[1] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 684.
[2] هو خالد بن العاص ابن أخي الحارث وأبي جهل ابن هشام، قُتل أبو العاص يوم بدر كافراً، واستعمله عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه على مكة لما عزل عنها نافع بن عبد الحارث، واستعمله عليها عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه.
[3] الأجاج: الماء الشديد الملوحة.
[4] إزعيلاً: نشيطاً.
[5] راجع كتاب "محمد رسول اللَّه" للمؤلف.
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 171
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست