responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 172
- كتاب عثمان إلى أهل مكة [1] :
كتب عثمان كتاباً إلى أهل مكة يسألهم أن يأخذوا له بالحق ممن حصروه، وأعطاه لابن -[173]- عباس. قال ابن عباس: فقرأت هذا الكتاب عليهم قبل التروية [2] بمكة بيوم ثم قدمت المدينة.
وهذا نص الكتاب كما نسخه عبد المجيد بن سُهَيْل بن عكرمة [3] :
"بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه عثمان أمير المؤمنين إلى المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم. فإني أحمد اللَّه إليكم الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإني أذكركم باللَّه عز وجل الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، وأراكم البينات، وأوسع عليكم من الرزق، ونصركم على العدو، وأسبغ عليكم نعمته. فإن اللَّه عز وجل يقول وقوله الحق: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} إلى قوله {لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 102- 105] وقال وقوله الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: 6- 7] وقال وقوله الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} إلى قوله {فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 6- 8] وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} إلى قوله {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] وقال وقوله الحق: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} إلى قوله {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16] وقال وقوله الحق: {وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} إلى قوله {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 91- 96] وقال وقوله الحق: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} إلى قوله {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] وقال وقوله الحق: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إلى قوله {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [النور: 55] وقال وقوله الحق: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهُ} إلى قوله {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 10] .
أما بعد، فإن اللَّه عز وجل رضي لكم السمع والطاعة والجماعة، وحذركم المعصية والفرقة والاختلاف، ونبَّأكم ما قد فعله الذين من قبلكم، وتقدم إليكم فيه ليكون له الحجة عليكم إن عصيتموه، فاقبلوا نصيحة اللَّه عز وجل واحذروا عذابه، فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف إلا أن يكون لها رأس يجمعها، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعاً وسُلط عليكم عدوُّكم ويستحل بعضكم حُرم بعض، ومتى يفعل ذلك لا يُقم للَّه سبحانه دين، وتكونوا شيعاً، وقد قال اللَّه عز وجل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ -[174]- ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159] وإني أوصيكم بما أوصاكم اللَّه، وأحذركم عذابه، فإن شعيباً صلى اللَّه عليه وسلم قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيَبكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} إلى قوله {رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 89- 90] [4] .
أما بعد، فإن أقواماً ممن كان يقول في هذا الحديث، أظهروا للناس إنما يدعون إلى كتاب اللَّه عز وجل والحق، ولا يريدون الدنيا ولا المنازعة فيها. فلما عُرض عليهم الحق إذا الناس في ذلك شتى، منهم آخذ للحقٍ ونازعٌ عنه حين يُعطاه، ومنهم تارك للحقٍ ونازل عنه في الأمر يريد أن يبتزه بغير الحق. طال عليهم عمري، ورَاث عليهم أملهم إلا مرة فاستعجلوا القدر، وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهُم، ولا أعلم أني تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئاً كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود فقلت: أقيموها على من علمتم تعداها. أقيموها على من ظلمكم من قريب أو بعيد قالوا: كتابُ اللَّه يتلى. فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل اللَّه في الكتاب، وقالوا: المحروم يرزق والمال يُوفى ليُستن فيه السنة الحسنة ولا يُعتدى في الخُمس، ولا في الصدقة، ويؤمر ذو القوة والأمانة، وتُرَدّ مظالم الناس إلى أهلها فرضيتُ بذلك واصطبرت له وجئت نسوة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كلمتهن فقلت: ما تأمرنني؟. فقلن: تؤمر عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن قيس، وتدع معاوية، فإنما أمَّره أمير قبلك فإنه مصلح لأرضه راضٍ به جنده، واردد عمراً فإن جنده راضون به وأمره فليصلح أرضه فكل ذلك فعلت. وأنه اعتديَّ علي بعد ذلك وعدا على الحق.
كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر استعجلوا القدر ومنعوا مني الصلاة وحالوا بيني وبين الصلاة وابتزوا مما قدروا عليه بالمدينة كتبت إليكم كتابي هذا وهم يخبرونني إحدى ثلاث: إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صواباً غير متروك منه شيء، وإما أعتزل الأمر فيؤمرون آخر غيري، وإما يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل اللَّه سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة، أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يُستقد من أحد منهم، وقد علمت إنما يريدون نفسي. وأما أن أتبرأ من الإمارة فإن يكلبوني أحبُّ إليَّ من أن أتبرأ من عمل اللَّه عز وجل وخلافته.
وأما قولكم يُرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من طاعتي فلست عليكم بوكيل، ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة. ولكن أتوها طائعين يبتغون مرضاة اللَّه عز وجل، وإصلاح ذات البين. ومن يكن منكم إنما يبتغي الدنيا فليس بنائل منها إلا ما كتب اللَّه عز وجل، ومن يكن إنما يريد وجه اللَّه والدار الآخرة وصلاح الأمة وابتغاء مرضاة اللَّه عز وجل والسنة -[175]- الحسنة التي استن بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والخليفتان من بعده رضي اللَّه عنهما فإنما يجزي بذلكم اللَّه. وليس بيدي جزاؤكم ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم ولم يغنٍ عنكم شيئاً. فاتقوا اللَّه واحتسبوا ما عنده فمن يرضى بالنكث منكم فإني لا أرضاه له ولا يرضى اللَّه سبحانه أن تنكثوا عهده. وأما الذي يخبرونني فإنما كله النزع والتأمير فملكت نفسي ومن معي ونظرت حكم اللَّه وتغيير النعمة من اللَّه سبحانه وتعالى وكرهتُ سُنة السوء وشقاق الأمة وسفك الدماء فإني أنشدكم باللَّه والإسلام ألا تأخذوا إلا الحق وتعطوه مني، وتركَ البغي على أهله وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم اللَّه عز وجل، فإني أنشدكم اللَّه سبحانه وتعالى الذي جعل عليكم العهد والمؤازرة في أمر اللَّه فإن اللَّه سبحانه قال وقوله الحق: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34] فإن هذه معذرة إلى اللَّه ولعلكم تذكرون.
أما بعد، فإني لا أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. وإن عاقبتُ أقواماً فما أبتغي بذلك إلا الخير، وإني أتوب إلى اللَّه عز وجل من كل عمل عملته وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلا هو. إن رحمة ربي وسعت كل شيء إنه لا يقنط من رحمة اللَّه إلا القوم الضالون، وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. وأنا أسأل اللَّه عز وجل أن يغفر لي ولكم وأن يؤلف قلوب هذه الأمة على الخير ويكرّه إليها الفسق.
والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أيها المؤمنون والمسلمون.
هذا كتاب طويل كتبه عثمان رضي اللَّه عنه، وقرأه ابن عباس على أهل مكة في موسم الحج. وقد استشهد بكثير من آيات القرآن الكريم لأنه كان يحفظ القرآن، ويكثر من تلاوته ويتعبَّد به. وهذه الآيات التي استشهد بها كان غرضه من إيرادها حض المؤمنين على طاعة اللَّه والاعتصام بحبله، والتخويف من عذاب اللَّه وعاقبة نقض الأيمان بعد توكيدها، ووجوب طاعة اللَّه والرسول وأولي الأمر ولزوم الجماعة والتحذير من الاختلاف والتفريق.
ثم أمر بإقامة الحدود ورد المظالم وشكا إليهم ما يلقاه من الحصر ومنع الماء والزاد عنه وقال: إنه لا يعتزل ولا يتخلى عن واجبه، ولم يكره أحداً على اختياره خليفة، بل اختاروه طائعين، وذكر أنه تجنب سفك الدماء والشقاق. ثم تاب إلى اللَّه واستغفره ولم يبرئ نفسه، فإن النفس أمارة بالسوء وسأل اللَّه أن يؤلف بين قلوب الأمة.
إلا أن هذا الكتاب لم يأت بالغرض الذي رمى إليه عثمان من تحريره وتلاوته، لأن المحاصرين كانوا قد شددوا عليه الحصار فإن ابن عباس لما عاد إلى المدينة بعد تأدية فريضة الحج وجد عثمان قد قتل.

[1] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 685.
[2] التروية: اليوم الثامن من ذي الحجة.
[3] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 685.
[4] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 660.
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 172
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست