responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 408
أتحسبين متانة أقمشتنا الوطنية ورخص أثمانها قبيحا ونبتاع ذراع القماش الإفرنجي المزركش بالنحاس بليرتين لا تعجبنا أقمشة حلب والشام وبغداد وديار بكر وكلها من الفضة الخالصة لأن ذراعها لا يتجاوز ثمنه الخمسين غرشا إن كون القماش من متاعنا لا يمنع من أن نخيطه على الطرز الإفرنجي أفلا يعجبك هذا القماش الذي ترينه علي فإنه عبارة عن ثوبين طولهما عشرون ذراعا دفعت ثمنها ثمانية مجيديات فيكون ثمن الذراع ثمانية غروش, ولو كان هذا القماش من أقمشة أوروبا الحريرية ما أمكن مشترى الذراع منه بأقل من عشرين غرشا, ولقماشنا مزية أخرى وهي أنه إذا تلوث بشيء فيمكن غسله وكيه وحينئذ يعود إلى حالته الأولى! فقالت السيدة "ص": لا جرم غير أن أقمشتنا كلها على نسق واحد فلا يمكن تغيير أزيائها.
قلت لها: الإنصاف أيتها السيدة لو كان عندنا للأقمشة الوطنية نصف الرغبة في الأقمشة الإفرنجية لترقت أقمشتنا أيما ترق فعلينا في بادئ الأمر أن نسعى في أن تباع أقمشتنا الحاضرة ليمكن إيجاد ألوان أخرى وأن نهتم بها اهتمامنا بالأقمشة الأوروبية إذ لا يحق لنا أن نقول: إننا طلبنا اللون الفلاني من الأقمشة الوطنية فلم نحصل عليه ومعلوم أن في الوقت الحاضر أخذت تنسج في البلاد المحروسة الشاهانية جميع الأقمشة كالأطلس والخز وغير ذلك وهي أكثر مما يلزمنا, وهذه الأقمشة لها محل من القبول في أوروبا فلا أدري لماذا نحن ننفر منها, أتظنين أن الإفرنج يرضون ويسرون بما نفعله وما نسلكه من طرق التقليد لهم؟ كلا, إنهم يعيبون علينا هذا الأمر ولقد يخجلني ما تقول كثيرات من النساء الإفرنجيات عن ميل الأوروبيين إلى أقمشتنا ونفرتنا منها إذ إن هاته الأقمشة ترسل إلى أوروبا على سبيل الهدايا ونحن لا نكتسي بها على الإطلاق نعم إننا مضطرون إلى الاكتساء ببعض الألبسة الإفرنجية ولكن هاته الألبسة هي كناية عن الفانيلات والجوارب والشيت والباتسته فإن بلادنا خالية منها.
قالت السيدة "ن": أليس عندنا من القماش الكتاني ما يعادل الشيت (بصمه) ؟ فقلت لها: كلا, إن الأقمشة الكتانية لا تغني عن الشيت شيئا, فإن الفقير يمكنه أن يشتري ذراع الشيت بستين باره, ثم يخيطه ثوبا فيلبسه ويغسله وهلم جرا. أما الأقمشة الكتانية فإنها قاسية بحيث إذا غسلت ازدادت خشونة عن الأول, انظري إلى هذا الجمع الحاضر فإنك ترين أن الألبسة الليلية التي نكتسي بها في هذا الوقت كلها من الباتستة ولا يمكن أن نظفر لهذه الغاية بأحسن منها, أما أنت فترجحين الأقمشة الكتانية عليها.
قالت السيدة "ن": كلا, إن ألبستي الليلية كلها من الباتستة ولا أكتسي بقماش آخر على الإطلاق.
قلت لها: إذن يجب على الإنسان في بادئ الأمر أن يهتم بنفسه ثم بغيره وأنا لا أقول أنه يجب أن نحرم أنفسنا من المتاع الإفرنجي تماما ولكن أريد أنه يلزمنا أن نروج بضائعنا ولا ننبذها ظهريا.
قالت السيدة "ن": صدقت, فإن الشيت أفاديا كثيرا واستنفد أموالنا أيضا.
قلت لها: أجل إن الشبت والباتستة تتوارد إلى بلادنا من أوروبا بكثرة لأن الحاجة إليها عمومية ولا شك أنه إذا أردنا أن نحسب الأموال التي تخرج من بلادنا بمقابلة هذه الأقمشة نراها كثيرة جدا وموجبة للحيرة والدهشة.

اسم الکتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور المؤلف : زينب فواز    الجزء : 1  صفحة : 408
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست