فجاءه رجل دسه هرثمة فقال له: إن المسوّدة قد دخلت من جانب الجسر، وأخذ محمد بن محمد وإنما أراد أن بنتحي أبو السرايا عن موضعه، فلما سمع ذلك وجّه فرسه نحو صحراء أثير، وأقبل هرثمة حتى دخل الكوفة، وبلغ إلى موضع يعرف بدار الحسن، وصار أبو السرايا إلى الموضع فوجد محمدا قائما على المنبر يخطب، فعلم أنها حيلة، فكر راجعا ومعه رجل يقال له مسافر الطائي، وكان من بني شيبان إلّا أنه نزل في قبائل طي فنسب إليهم، فحمل على المسودة فهزمهم حتى ردهم إلى موقفهم.
وجاءه رجل فقال: إن جماعة منهم قد كمنوا لك في خرابة ها هنا. فقال:
أرينهم، فأراه الخرابة، فدخل إليهم فأقام طويلا ثم خرج يمسح سيفه وينفض علق الدم عن نفسه، ومضى لوجهه نحو هرثمة، فدخلت فإذا القوم صرعى وخيلهم يثب بعضها على بعض، فعددتهم فإذا هم مائة رجل، أو مائة رجل إلّا رجلا.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنى محمد بن المنصور، قال:
سمعت القاسم بن إبراهيم ونحن في منزل للحسينيين يقال له الورينة، يقول:
انتهى إليّ نعي أخي محمد وأنا بالمغرب، فتنحبت فأرقت من عيني سجلا أو سجلين، ثم رثيته بقصيدة، على أنه كان يقول بشيء من التشبيه، قال: ثم قرأها عليّ من رقعة، فكتبتها، وهي هذه:
يا دار دار غرور لا وفاء لها ... حيث الحوادث بالمكروه تستبق
أبرحت أهلك من كدّ ومن أسف ... بمشرع شربه التصدير والرّنق «1»
فإن يكن فيك للآذان مستمع ... يصبى ومرأى تسامى نحوه الحدق
فأيّ عشك إلّا وهو منتقل ... وأي شملك إلّا وهو مفترق «2»
من سرّه أن يرى الدنيا معطّلة ... بعين من لم يخنه الخدع والملق
فليأت دارا جفاها الأنس موحشة ... مأهولة حشوها الأشلاء والخرق
قل للقبور إذا ما جئت زائرها ... وهل يزار تراب البلقع الخلق؟