اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 359
وأما البلد فأحرقت منه دار الحديث الأشرفية وما جاورها، ودار الحديث النورية، والعادلية الصغيرة، وما جاورها، وأحرقت القيمارية وما جاورها إلى دار السعادة إلى المارستان النوري، ومن الجهة الأخرى إلى المدرسة الدماغية إلى باب الفرج، وأحاطت التتار بالقلعة من جميع الجهات، وبقيت الأماكن موحشة لا يجسر أحد أن يمرّ بها، ولم تبق حارة ولا محلة إلا وقد دخلها التتار ونهبوها، واختفى الناس، وكان الرجل إذا حصلت له حاجة يخرج في أثواب رثّة وهو خائف وجل، ثم يعود مسرعاً، ولم يكن يصلي في الجامع خلف الإمام إلا رجل أو رجلان، والتتار منتشرون فيه لأجل حفظ المناجيق، وشربوا في الجامع الخمور، وانتهكوا حرمته، وفجروا فيه بالنساء، ونجسوه بالبول، وامتنع الناس عن حضور الجمعة خوفاً على أنفسهم، والأمر في المصادرة والجباية حثيثاً لم يعف عنه أحد لا غني ولا فقير.
وحصّل لشيخ الشيوخ من البراطيل فوق الثلاثين ألف دينار، وكان لا يزال الدبوس على كتفه، ويفخم كلامه، ولم يكن فيه شيء من أخلاق المشايخ، وكان كثير الطمع وكان يستهزىء بقلعة دمشق ويقول: إش هذه؟ لو أردنا أخذها أخذناها من أول يوم جئنا، وإنما الملك يريد الرفق.
كل هذا والناس في المصادرة، وكان المستخرج من الدراهم برسم خزانة الملك ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف سوى الدواب والقماش والسلاح والقمح والشعير، وذلك غير الذي أخذه المغول من النهب والبرطيل، وحصل لخواجا أصيل الدين بن النصير الطوسي نحو من مائتي ألف لأنه كان منجم الملك وناظر الأوقاف التي في ممالك التتار، وطلب من أوقاف دمشق أجرة النظر عن سنة كاملة، واستخرج الصفي السنجاريّ لنفسه مائة ألف درهم، وكل هذا غير الذي استخرجه قفجق لنفسه ولأمراء المغول، وسوى الرواتب المرتبة للملك في كل يوم ولخواصه، ونهب لأهل دمشق ما يقارب ذلك، وأحرق من الأملاك والأوقاف والمدارس مالا يقدر أحد على ضبط قيمته.
ذكر نسخة فرمان التي كتبها قازان
لما تولى قازان بظاهر المرج والغوطة خرج إليه أهل دمشق بمفاتيح أبوابها ونغائس هداياها، فأقبل عليهم وقبل ما أحضروه وأمنهم فكتب فرمان لأهل دمشق ونواحيها وأرسلها بأنهم آمنون وأن مغل لا يتعرضون للرعية ولا لأموالهم، وهم يقيمون جمع ما يختاره الملك، فإن البلاد بلاده والرعية رعيته، وكتب ذلك على يد الشريف، وصورة ذلك: ليعلم أمراء التوامين والألوف، وعموم عسكرنا المنصور من المغل والكرج والأرمن أن الله نور قلوبنا بالإسلام، وهدانا إلى ملة نبيه عليه السلام " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ". وأتم الله علينا نعمته، وأنزل علينا سكينته، وقهرنا العدو الطاغية، والجيوش الباغية، وصدّرنا أن لا يتعرض أحد من العساكر على اختلاف أجناسها لدمشق وأعمالها، وسائر البلاد الشامية، وأن يكفوا أظفار التعدي عن الأنفس والأموال والحريم والعيال، والتعرض لأهل الأديان، وكل راع مسؤول عن رعيته " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى عن الفحشاء والمنكر ".
ثم أرسل قازان إلى دمشق قطلوشاه، ومعه يحيى بن جلال الدين، ورشيد الدين المسلماني، وزيره، ونجيب الدولة اليهودي، مشيره، والأمراء المصريون وهم: الأمير سيف الدين قفجق، والأمير سيف الدين بكتمر السلحدار، وأكابر دمشق صحبتهم، وكان ذلك يوم الجمعة، ولم يدركوا الخطبة بدمشق، وكان وصولهم دمشق بعد العصر، ودخلوا الجامع، وحضرت أهل دمشق، وقرىء الفرمان على المنبر، واطمأنت نفوس الناس بعض شيء، ثم أقاموا بها أياماً لجباية الأموال كما ذكرنا صورة الجباية.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 359