responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 360
وأطاع أهل دمشق جميعهم قازان ما خلا الأمير علم الدين سنجر المنصوري المعروف بأرجواش نائب القلعة، وكان من مماليك السلطان الملك المنصور القدماء، فإنه أظهر حزماً واجتهاداً ويقظة واستعداداً ولم يسلم القلعة، بل صمم على امتناعه وأخذوه بأنواع من الترهيب والترغيب، فلم يرهب السطا ولا رغب في العطا، ونصبت عليه المجانيق، فما هاله أمرها فتح لها بابا حتى رحل قازان عن البلاد ولم ينل منها ما أراد، ولما اشتد الحصار وأحاطت بالقلعة جموع التتار خاف أن يستولوا عليها من الأماكن والمساكن التي عليها، فهدم جميع ما حولها من العمائر والبيوت وصيرها دكا، وهدم دار السعادة وكان هدمها من السعادة لئلا يتستر العدو في المنازلة بجدرانها ويتسلطوا بنصب المجانيق خلف بنيانها، فتناوبوا على حصارها أياماً متواترة، وليالي متكاثرة، ولم ينالوا منها مراماً ولا رأوا من نائبها تسليماً ولا سلاماً، فصبروا إلى أن أدركهم لطف الله، فسلموا وصابروا وما سلموا.
وعلم قازان أن أموال دمشق جميعها بالقلعة، وفيها خزانة السلطان الناصر، وأموال الأمراء وغيرهم، وأنه لا يتم له ملك ولا يملك قلعة من قلاع الشام حتى يملك قلعة دمشق، فإن أمر االقلاع معدوق بأمرها، فطلب قفجق وبكتمر وغيرهما واستشارهم في أمرها، فعرفوه أنها قلعة حصينة، وأن نائبها رجل شديد البأس وما يمكن أخذها إلا بعد قتال شديد وتلاقي العسكر.
وحضر في ذلك الوقت نجيب الدين وزير قازان من غزنة، فأشار عليه أن يعمل المنجنيق ويتوصل به إلى هدم القلعة، فرسم له عند ذلك بالإنعام الكثير، فشرع في عمل ذلك، وساعده جماعة من أهل دمشق على قطع الأخشاب وعمل المنجنيق في وسط الجامع الأموي، فبلغ ذلك أرجواش نائب القلعة، فصبر إلى أن هجم الليل، وأرسل جماعة من القلعة ومعهم النفط، فأطلقوا النار أولا في دار السعادة، ثم في سائر الأماكن القريبة من القلعة، فصارت تلك الأماكن شعلة نار، وكان فيها جماعة من التتار، فهربوا منهزمين، فبقيت النار تعمل يومين وثلاث ليال.
ولما بلغ ذلك قازان غضب غضباً شديداً وأمر لسائر المغل بالركوب، وركب هو مع الأمراء إلى أن وصل إلى القلعة، ونظر إليها، واستهون أمرها، وأمر بردم الخندق. فقالوا له: لا يمكن ردمه في شهر لأن المياه مسلطة عليه وصعبوا أمره، وكان قصدهم إخماد النار، وأشار قفجق أن يخاطب نائب القلعة بحضور قازان ويعد - له - بكل خير، وسمع قازان جوابه، فخرج قفجق وبكتمر وبعض أمراء المغل، فوقفوا قريبا من الخندق، وكان أرجواش قد نصب له كرسي عال بحيث يراهم ويرونه، فلما رأوه سلموا عليه، وسلم عليهم، ثم شرع قفجق يعرفه عن قازان بالمواعيد والعطايا، وإنه إن لم يفعل فإن الملك يفعل كذا وكذا.
فلما سمع أرجواش كلامه أجابه فأغلظ في جوابه، فقال له: يا منافق، من يتقرب إلى القلعة؟ والله لو تقرب إليها أستاذي الملك المنصور ما كان له عندي غير سهم في صدره، ولكن قل لقازان يتقدم حتى ينظر ما يجري عليه، وأخذ في سبّهم ولعنهم، وبّلغ المغل ذلك لقازان، فغضب غضباً شديداً، وأمر عند ذلك وأحدقوا بجوانبها، وما شعروا إلا وقد شقتهم سهام من أكف الرماة من سهام قسى وجرخ ونفط ومدافع ومكاحل، وكان في القلعة من الرماة أكثر من ألف رام، فنزلت السهام عليهم مثل المطر، واختلطت الرجالة بالخيالة، فقتلت طائفة وجرحت آخرون.
ورأى قازان يوماً عظيماً لم ير مثل ذلك، فتقدم قفجق والأمراء منه وقالوا له: يا خوند أمهل حتى يفرغ عمل المنجنيق تبلغ به ما تريد، وتلطفوا معه في الكلام إلى أن رجّعوه، فعند ذلك جهز أمراء من المغل يستعجلون بعمل المنجنيق.
وبقي أرجواش يكشف أمر المنجنيق إلى أن عرف أنه على الفروغ، فطلب أربعة أنفس من الرجال المعدودين فقال لهم: انزلوا واقتلوا صانع المنجنيق وارموا النفط فيه، فنزلوا وقد بايعوا أنفسهم من الله تعالى، فوجدوا المغل نائمين وعامل المنجنيق سهران في العمل، فوثب بعضهم عليه وضربه بسكين في بطنه أخرج أمعائه، وضرب كل واحد منهم آخر من رفقته فقتلوا ثلاثة، ورموا في الأخشاب النفط فعلق من ساعته، ووقع الضرب في الجامع، وقتل من المغل اثنان، وركبت المغل وهم متحيرون لم يعرفوا من أين جاءتهم الداهية، ورأوا النار تعمل في الجامع، وكانت ليلة عظيمة، ودقت الكوسات في القلعة.

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 360
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست