responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 358
ثم خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى مخيم السلطان الذي يسمونه الأردو؛ وكان بتلّ راهط، فدخل عليه ولم يمكن من الإعلام كما ينبغي، بل أذن له في الدعاء والإسراع، وقيل: إنه كان مشغول الدماغ ولم يعلم بما جرى، ولو علم كان قتل جماعة من المغل، فيحصل بذلك فتنة وتفريق كلمة، فاجتمع تقي الدين بالوزير ابن سعد الدولة ورشيد الدولة وتحدث معهما، نذكر أن جماعة من مقدمي المغول الأكابر لم يصل إليهم شيء من مال دمشق ولا بد من إرضائهم، فدخل الشيخ تقي الدين البلد، وقد ضاق الأمر بالناس، وهم في شدة عظيمة، واشتاع بينهم أن قازان يريد الدخول إلى البلد، وقد جعل ما فيه للمغول خاصة، فضاقت صدور الناس، وقيل لهم: من لم يخرج من البلد ندقه في عنقه، ومن أراد الخروج فليخرج إلى الصالحية، وكان هذا الكلام من جهة شيخ الشيوخ، ثم حمل حوائجه وخرج إلى العادلية، فقالت الناس: لو لم يكن الخبر صحيحاً لما خرج مسرعاً، فلما كان آخر النهار رجع بعض حوائجه وحضر إليه أعيان البلد وقالوا: إن رسم السلطان أن يضع على البلد شيئاً معلوماً سعينا في استخراجه، ويكون مثل الشراء عن السلطان ويمنّ السلطان بالعتق على المسلمين، وكان قد قتل في هذه الليلة رجلان من متولي أمر المناجيق من جهة أهل القلعة، وكان السلطان غضب من ذلك غضباً شديداً.
وقال الشيخ وجيه الدين بن منجي: أنا أبذل جميع ما أملكه من العين. وقال الرئيس عز الدين بن القلانسي: قد أخذ منا شيء كثير، ولم يبق إلا أن يموت بعضنا على بعض، كل هذا وشيخ الشيوخ ساكت مصمم لا يفرج كربة عن مسلم، ولكن اشتدّ الطلب من الناس فقرّر على سوق الخوّاصين مائة ألف وثلاثون ألف من الدراهم، وعلى سوق الرمّاحين مائة ألف درهم، وعلى سوق عليّ ستون ألف درهم، وعلى أكابر البلد ثلاثمائة ألف دينار، وجبيت من حساب أربعمائة ألف، ورسِّم عليهم طائفة من المغل، مع كل إنسان طائفة منهم، وضيقوا عليهم، وعصروا ابن شقير، ووعدوا ابن منجي وابن القلانمي بوعيد، والمغل محيطين بهم يضربونهم، فصار جميع أهل دمشق في الذل والهوان، وكثر النهب في البلد، والقتل عمّال في ضواحي دمشق وضياعها. يقال: إنه قتل ما يقارب مائة ألف إنسان من الجند والفلاحين والعامّة، وكثر الطلب، وعجز المطلوب، وعسر الأمر على الناس، وكان متولي الطلب الصفي السنجاري وعلاء الدين أستادار قفجق وأولاد الشيخ علي الحريري الحنّ والبنّ، وكان هؤلاء من أكبر المصائب على الناس، فنظم فيهم الشيخ كمال الدين بن الزملكاني:
لهفي على جلّق يا سوء ما لقيت ... من كل علج له في كفره فنّ
بالطمّ والرمّ جاؤوا ولا عديد لهم ... فالجنّ بعضهم والحنّ والبنّ
وقال علاء الدين الوداعي:
دهتنا أمور لا يطاق احتمالها ... فسلّمنا منها الإله له المنّ
أتتنا تتار كالرمال تخالهم ... هم الجنّ حتى معهم الحنّ والبنّ
وقال الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة:
رمتنا صروف الدهر منها بسبعة ... فما أحد منّا من السبع سالم
غلاء، وغازان، وغزو، وغارة ... وغدر، وإغبان، وغم ملازم
ثم استهل شهر جمادى الأولى: ففي أول ليلة منه بات المغل منتشرين بباب البريد إلى القلعة بسبب حفظ مناجيقهم التي بالجامع، وكانت لهم مدة يحاصرون القلعة، وكسروا دكاكين باب البريد وأخذوا ما فيها، وانتقل الناس من تلك الناحية، وتركوا حوائجهم وأقواتهم، وعجزوا عن حملها، وغلقت أبواب الجوامع وترك منها باب صغير، وانقطع الناس عن الجامع.
وفي الجمعة الأولى من الشهر: نهب دير الحنابلة مرة ثانية، وسبيت من كان فيه من النساء والأولاد، ومن جملة ما أخذوا: مائة وعشرون بنتاً، وأسروا القاضي تقي الدين الحنبلي وعملوا في رقبته حبلاً يجرونه به، ثم تركوه.

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 358
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست