اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 357
وبقيت المدينة بلا نائب ولا حاكم، وأكل الناس بعضهم بعضاً، ومن قدر على أمر فعله، ووصلت أربعة من التتار، ومعهم الشريف القمي ونزلوا بالباذرائية، وأصبح الصباح ولم يفتح من أبواب دمشق باب، فكسرت أقفال باب توما، وكان الذي تولى كسرها نواب الولاة: الشجاع همام الدين وابن ضاعن وابن الذهبي النقيب، ووصل إلى ظاهر دمشق جماعة من التتار ومعهم أمير اسمه إسماعيل، فنزلوا ببستان الظاهر بطريق القابون، وأما الجماعة الذين خرجوا من دمشق فإنهم التقوا بالعساكر التترية بالنبك، واجتمعوا بالملك، ووقف الترجمان، وتكلم منهم، وكان المتكلم فخر الدين بن الشيرجي، وأحضروا ما كان معهم من المأكول، فلم يظهر له وقع ولا حضر قدام الملك. وقال الملك قازان: إن الذي تطلبونه من الأمان قد أرسلناه إليكم قبل حضوركم، فرجعوا إلى دمشق، وحضر الأمير إسماعيل إلى مقصورة الخطابة وحضر الخطيب ابن جماعة وفخر الدين ابن الشيرجي وابن القلانسي وابن منجي وجماعة لقراءة الفرمان، واجتمع الناس، وقرىء الفرمان على السدّة. فحمد الناس الله تعالى، وحصل للناس سكون وطمأنينة، وقرب التتار من دمشق وأحدقوا بالغوطة، وكثر العبث والفساد والنهب بالحواضر البرانية مثل العقيبة والشاغور وقصر حجاج وحكر الساق، ووصل الأمير قفجق وبكتمر السلحدار مع جماعة ونزلوا بالميدان الأخضر.
وورد مرسوم من الأمير إسماعيل بأن العلماء والقضاة والأكابر يتحدثون مع أرجواش نائب القلعة ويحسنون له تسليم القلعة وإلا يدخل الجيش البلد، ولا تبقى بعد هذا القلعة ولا البلد، فاجتمع جماعة منهم بدار الحديث وأرسلوا رسولاً إلى أرجواش فلم يجبهم، فقاموا في دار الحديث بأجمعهم إلى باب القلعة وأرسلوا إليه رسولاً ثانياً فبلغه سلامهم. فقال: ومن هم الذين أرسلوك؟ فسماهم له بأنسابهم، فقال: هم المنافقون الخائنون للمسلمين، وليس عندي جواب، ومع هذا فهذه بطاقة وصلت إلي من السلطان صاحب مصر مضمونها أنهم قد اجتمعوا على غزة وكسروا الطائفة الذين تبعتهم من التتار، وهو يوصيني بالقلعة، وكان من جملة الجماعة الواقفين بباب القلعة: بدر الدين بن فضل الله. فقال أرجواش: وصل ابن فضل الله ويقف على البطاقة فإنها بخط أحيه، فامتنع ابن فضل الله من الدخول واشتد خوفه وهرب من بين الجماعة، وتفرقت الجماعة على هذه الصورة.
وفي اليوم الثاني: حضر الأمير قفجق وجلس بالمدرسة العزيزية وأمر بالمراجعة بأرجواش في أمر القلعة، فراجعوه فلم يجبهم، وكتبوافي هذا اليوم فرمانات كثيرة من شيخ الشيوخ نظام الدين للتتار، ولم يحصل بأكثرها نفع، وخاف الناس وأصلحوا أبواب الدروب، وكثر دخول التتار للبلد، ونزل شيخ الشيوخ نظام الدين بالمدرسة العادلية وادعى أنه يصلح أمور الناس، وطلب الأموال، ووقع النهب في جبل الصالحية، ودخلوا الناصرية، والمارستان القيمري وكسروا الأبواب والشبابيك، وصعدوا إلى مغارة الدم، وإلى مغارة الجوع، ولم يعص عليهم موضع، ودخلوا إلى جامع الحنابلة، وأخذوا بسطه وكسروا القناديل والمنبر، ودخلوا في مدرسة الشيخ ضياء فنهبوها، وأخذوا من الصالحية من المطعومات والقمح والشعير والدفائن والذخائر شيئاً كثيراً حتى كان الواحد يأتي إلى الخبيئة كأنه هو الذي خبأها من سرعة هدايته إلى مكانها.
وبلغ الناس بالبلد ما جرى بالصالحية، فشق عليهم، وتوجه الشيخ تقي الدين ابن تيمية وجماعة إلى شيخ الشيوخ الذي نزل بالعادلية وشكوا إليه الحال، فخرج معهم إلى الصالحية، فسمع التتار بخروجه فهربوا، ودخل أكثر الناس عرايا عليهم الجوالق والبلاسات، واشتد الأمر وسار التتار إلى قرية المزة؛ وكان أكثر أهلها لم ينتقلوا عنها فنهبوها، وسبوا أهلها، وفعلوا بها كما فعلوا بالصالحية؛ ثم ساروا إلى داريا فاحتمى أهلها بالجامع، فلم يزالوا حتى دخلوه وفعلوا كما تقدم؛ وقتل من التتار جماعة من أهل داريا جماعة.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 357