اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 817
(الموشحات والأزجال للأندلس)
وأمّا أهل الأندلس فلمّا كثر الشّعر في قطرهم وتهذّبت مناحيه وفنونه وبلغ التّنميق فيه الغاية استحدث المتأخّرون منهم فنّا منه سمّوه بالموشّح ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا يكثرون من أعاريضها المختلفة. ويسمّون المتعدّد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات. ويشتمل كلّ بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد. وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفه النّاس جملة الخاصّة والكافّة لسهولة تناوله وقرب طريقه. وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدّم بن معافر الفريريّ [1] من شعراء الأمير عبد الله بن محمّد المروانيّ. وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربّه صاحب كتاب العقد ولم يظهر لهما مع المتأخّرين ذكر وكسدت موشّحاتهما. فكان أوّل من برع في هذا الشّأن عبادة القزّاز شاعر المعتصم ابن صمادح صاحب المرية. وقد ذكر الأعلم البطليوسيّ أنّه سمع أبا بكر بن زهير يقول: كلّ الوشّاحين عيال على عبّادة القزّاز فيما اتّفق له من قوله: [2]
بدر تمّ. شمس ضحا ... غصن نقا. مسك شمّ
ما أتمّ. ما أوضحا ... ما أورقا ما أنمّ
لا جرم. من لمحا ... قد عشقا. قد حرم
وزعموا أنّه لم يسبقه وشّاح من معاصريه الّذين كانوا في زمن الطّوائف.
وذكر غير واحد من المشايخ أنّ أهل هذا الشّأن بالأندلس يذكرون أنّ [1] وفي نسخة أخرى: القبريري.
[2] الضمير يعود إلى عبادة.
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون الجزء : 1 صفحة : 817