responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 108
المقدمة الرابعة في أثر الهواء في أخلاق البشر
قد رأينا من خلق السّودان على العموم الخفّة والطّيش وكثرة الطّرب فتجدهم مولعين بالرّقص على كلّ توقيع موصوفين بالحمق في كلّ قطر والسّبب الصّحيح في ذلك أنّه تقرّر في موضعه من الحكمة أنّ طبيعة الفرح والسّرور هي انتشار الرّوح الحيوانيّ وتفشّيه وطبيعة الحزن بالعكس وهو انقباضه وتكاثفه. وتقرّر أنّ الحرارة مفشية للهواء والبخار مخلخلة له زائدة في كميّته ولهذا يجد المنتشي من الفرح والسّرور ما لا يعبّر عنه وذلك بما يداخل بخار الرّوح في القلب من الحرارة العزيزيّة الّتي تبعثها سورة الخمر في الرّوح من مزاجه فيتفشّى الرّوح وتجيء طبيعة الفرح وكذلك نجد المتنعّمين بالحمّامات إذا تنفّسوا في هوائها واتّصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخّنت لذلك حدث لهم فرح وربّما انبعث الكثير منهم بالغناء النّاشئ عن السّرور. ولمّا كان السّودان ساكنين في الإقليم الحارّ واستولى الحرّ على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم وإقليمهم فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرّابع أشدّ حرّا فتكون أكثر تفشّيا فتكون أسرع فرحا وسرورا وأكثر انبساطا ويجيء الطّيش على أثر هذه وكذلك يلحق بهم قليلا أهل البلاد البحريّة لمّا كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر وأشعّته كانت حصّتهم من توابع الحرارة في الفرح والخفّة موجودة أكثر من بلاد التّلول والجبال الباردة وقد نجد يسيرا من ذلك في أهل البلاد الجزيريّة من الإقليم الثّالث لتوفّر الحرارة فيها وفي

اسم الکتاب : تاريخ ابن خلدون المؤلف : ابن خلدون    الجزء : 1  صفحة : 108
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست