responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 252
وقد نظم هذه القصيدة في الستين أيضاً ففيها اعتراف الفنان لنفسه لا للناس بأن الخمر هي محبوبته الجميلة، وإن يكن انصرف عنها، وللسن حكمها ومن ثم لن تسمع ذلك النغم الصاخب الثائر الذي سمعته في القصيدة السابقة، ولا تلك القوة التي تتحدى الناس أجمعين، فلا السيف من آلاته، ولا الغضب من أدواته - إنه أفنى آلات الحرب ووقع في عمر مسالم هادىء، خمدت فيه الجذوه القديمة ولم تبق غلا ذكراها - لا وطن ولا شباب، هذه هي الغربة الكاملة التي أحسسها ابن حمديس حينما كبر ولذلك نسمعه في بعض قصائده إذا ذكر الوطن صدر قصيدته بذكر الشيب - وهو غربة عن الزمان الجميل - ثم ثنى الكلام إلى الوطن - وهو غربة عن المكان الجميل - وأصبحت تلك النقلة في الزمان والمكان هي المؤثر الوحيد في نفسه وشعره، ولو كانت ذات طرف واحد لما كان حزنه بهذه الحدة.
وفي هذه القصيدة غاب الوجود كله من حوله وانعدمت صور الأشياء من ذاكرته إلا صورة ليلة ساهرة قضاها في صقلية. كانت ليلة ذات أشباه، رأى فيها شيئاً واحداً تعددت له الآسباب، رأى الخمر فذكرته بالساقية، ثم رأى الندامي فعاد يتحدث عن الخمر، ثم تذكر ليلة في دير فرجع إلى الخمر؟ رأى الخمر في عدة أوضاع وأحس بها هنا وهناك كأنما تخيلها تتسرب كالروح في جسم الوجود، رآها في يد الساقية ليلحظ اختلاط لونها بخضاب كف الساقية كأنه رأى المعجزة أو اتحاد العنصرين، وهو كلف بالعناصر فإذا تغزل خاطب حبيبته بقوله [1] :
عذبتني بالعنصرين ... بلظى حشاى وماء عيني فللعنصرين في شعره سيطرة بعيدة المدى. ورأى الخمر بين الندامى تبعث الضياء وتنسج شبكاً من الحباب تصيد به ما يحاول منها أن يطير، ورآها في الدير

[1] القصيدة رقم 310.
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 252
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست