responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 251
شيء آخر، يحضر الأشياء المبعثرة كلا على حدة ويسلم نفسه إلى التشبيه ولا يعنيه من بعد أن يكون منها صورة مغمورة بالانسجام، ولست أدعي أن الوحدة مفقودة في قصائده - وقد تكون - ولكني أحس بالفرق بين القصائد التي تزخر بالعاطفة والحنين إلى صقلية وبين غيرها من القصائد. فابن حمديس الشاعر الصادق، لا الشاعر الصانع، هو ابن هذه الفترة الغارقة في أحلام صقلية. أما القصيدة الثانية فمطلعها [1] :
قضت في الصبا النفس أوطارها ... وأبلغها السيب إنذارها وفي هذه القصيدة يريد ابن حمديس أن يجمع أمامنا أجزاء ذكريات قديمة فليس من الغريب إذا جمعها مبعثرة، لأن ذا ذاكرته تقفز من منظر إلى آخر. وإنما يوحدُ بين هذه المناظر أنهها مستمدة من الماضي ومن صقلية، وتنبسط صورة الخمر - التي أصبح محروماً منها - على كل منظر وتصرف الشاعر عن إطالة النظر إلى المناظر الأخرى. وتركه للخمر حين نظم هذه القصيدة حقيقة هامة تفسر هذا الاضطراب في ذكر الخمر ثم الانصراف عنها والعودة إليها وهكذا، والدليل التاريخي على هذه التوبة تصريح ابن حمديس نفسه في غير قصيدة أنه تارك ما ارتآه في الصبا وقوله في قصيدة كتبها إلى ابن عمته أبي الحسن وهو في سن الستين [2] :
فرغتُ من الشباب فلستُ أرنْو ... إلى لهو فيشغلني الرحيقُ
ولا أنا في صقلية غلاماً ... فتلزمني لكل هوى حقوق
ليالي تعمل الأفراح كاسي ... فمالي غير ريق الكأس ريق
تجنبتُ الغواية عن رشاد ... كما يتجنب الكذبَ الصدوق
وإن كانت صبابات التضابي ... يلوحُ لها على كلمي بروق

[1] القصيدة رقم 110.
[2] القصيدة رقم 215.
اسم الکتاب : العرب في صقلية المؤلف : إحسان عباس    الجزء : 1  صفحة : 251
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست