اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 468
وقد أصر على حماية الصديقين واعترف بأنهما قتلا هواوا والفحل بأمره ... ، وانتصر رأي آنو وإنليل وابتليا إنكيدو بداء عضال لا يرتجى البرء منه واسترسلت الأسطور في وصف أسف جلجميش على صديقه، وخوف إنكيدو من عالم الفناء وأهواله، وتبرمه بما لحق به، حتى أتاه صوت شمش من السماء بعتاب رقيق، ذكره فيه بفضل ربه عليه حين وهبه القوة والبأس من قبل، وحين حباه بصداقته للبطل جلجميشن وحين أيده بنصره في مغامراته القديمة، فقرت نفس إنكيدو ورضي بنصيبه وتحولت لعناته إلى دعوات، ولكن ظلت الرؤى تتوارد عليه وتدفعه إلى أن يتذكر العالم الآخر رغم أنفه، حيث الدار التي لم يتركها شخص دخلها، وحيث الطريق التي لا رجعة منها، وحيث الظلام الأبدي الذي عز النور على أهله، وحيث الطعام طين وتراب، وحيث لا يجد الموتى ما يتدثرون به سوى أجنحة كأجنحة الطيور، وحيث تحيا ملكه العالم الآخر إرشكيجال وحيث تركع أمامها كاتبتها بلت سرى تقرأ لها لوحها المكتوب، وقد رآها إنكيدو في منامه ترفع رأسها وتتطلع إليه وتقول من أتى بهذا الشخص هنا؟ فأدرك أنها النهاية، واشتد به المرض وظل يعاني سكرات الموت عشرة أيام "أو اثني عشر يومًا"، فلما أحس دنو أجله دعا جلجميش وودعه وأفضى إليه بأسفه على أنه لم يمت شهيدًا في معركة وأن عليه أن يموت على فراشه. ولما قضى نحبه بكاه جلجميش وظل يندبه بحرقة ووفاء، وأبنه ونعى صفاته وشجاعته بعبارات ينفطر الفؤاد لها، ثم فاق إلى نفسه وتخيل نفسه يلقي مصير إنكيدو فطارت نفسه شعاعًا وكره الموت، واعتزم أن يلجأ إلى جده الأكبر الحكيم أوتانبشتيم "أو وتنابشتو، أو أوتونبشتم، ابن وبرتوتو، وهو نوح البابلي، في مقابل نوح السومري زيوسدرا، الذي يقابله Xisouthros في النصوص الإغريقية للعصور المتأخرة.[1]، عله يجد عنده سر الحياة، وانطلق من ثم يقطع البراري والقفار حتى بلغ جبلًا يُدعى جبل ماشو تتصاعد قممه إلى عنان السماء وتصل جذوره إلى العالم السفلي، ولقي حارسه وكان له وجه عقرب، فخوفه الحارس أهوال الطريق ولكنه لم ينثن عن عزمته وظل يقطع مفازاته ويتخطى أهواله حتى لقد ناداه شمش من علاه: إلى أين جلجميش؟ ارجع فلن تجد الحياة التي تسعى إليها ... ، فأجابه: وهل بعد أن أقطع البراري أضع رأسي في قلب الأرض وأنام مدى الدهر؟ دع ناظري يمتلئان بنورك دائمًا فإن الظلمة تتشتت أمام النور ...
واستمر جلجميش في طريقه، وقابل صاحبة حانة تدعى سيدوري روى لها قصته وقصة صديقه الذي اختطفه الموت بعد أن سقطت دودة من أنفه وتحول إلى طين، على حد قوله، فلم يستطعم الحياة من بعده، فردت عليه بأن الموت نهاية كل حي وأن للإنسان أن ينعم بحياته ويطعم ويشرب ويلبس ويمرح، وأنه ليس من سبيل إلى حياة الخلود التي يبتغيها، وأنه يفصل بينه وبين أوتا نبتشتيم بحر لم يعبره إنسان، وأنه لن يستطيع عبوره بغير مساعدة نوتي فظيع يدعى سورسونابو. وكأنما أراد القصاص أن يبين أن الرؤية الصحيحة قد تتوفر عند صاحبة حانة وتغيب عن جلجميش العظيم بعد أن ألهته عنها شدة رغبته في الحياة، وقابل جلجميش [1] Anet, 88, N. 143 “Cf. Th… Jacobsen The Sumerian Kings List “1939”, 76-77, N. 34, And For His Father: Ibid., 75-76, N. 32; Anet, 594; Civil Et Biggs,. Ba, Lx, 1966, 1-5.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 468