اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 467
أن ذكرت جبل الأرز في أرض الأحياء التي اتجها إليها باسمه الكنعاني المعروف للساميين وهو جبل حرمون الذي ذكرت نصوص أوجاريت في الشام أن معبوداتها تستقر فوقه. ثم كان من أمتع ما جاءت به قول جلجميش لصديقه وهو يرد على مخاوفه من لقاء هواوا "من يستطيع أن يعاند السماء يا صديقي؟ ليس من يخلد تحت الشمس غير الأرباب، أما البشر فأيامهم معدودات ... ، وأنت هنا تخشى الموت؟، فأين بطولتك الفذة إذن؟ أولى بك أن تهيب بي أن تقدم ولا تخف، فإذا سقطت صريعًا تركت لنفسي سمعة طيبة، وقال عني خلفائي من أهل بيتي سقط جلجميش بعد أن تحدى هواوا".
وأضافت النسخ الآشورية للقصة أن جلجميش بعد أن نجح في إقناع شيوخ بلده بمغامرته التفتوا إلى إنكيدو وقالوا له "نحن أعضاء المجلس أمناك على الملك، فأعده سالمًا إلينا"، والتفت جلجميش إلى صديقه وقال له هيا بنا إلى القصر الكبير "إجالمه" وإلى حضرة الملكة العظيمة نينسون. وعندما قص عليها ما عزم عليه فزعت وارتدت رداءها الكهنوتي وصعدت الدرج وعلت السور وطلعت إلى السطح وحرقت البخور فتصاعد عبيره عاليًا لربها شمش ثم رفعت يديها إلى معبودها وقالت تخاطبه: لم وهبتني جلجميش ولدًا؟ ولم جعلت هذا الابن القلق من نصيبي؟
ثم انتهت الألواح إلى ما انتهت إليه القصة السومرية من قتل هواوا، وأضافت أن جلجميش انتشى بعد النصر واغتسل وعقص شعره وأرسل ضفيرته خلف ظهره واستبدل ثيابه وارتدى عباءة ذات أهداب، فلمحته الربة إشتار "عشاتر" وشغفت به حبًّا وابتغته زوجًا لها ومنته بأماني كثيرة ووعدته بملك عريض فاستهان بعرضها وذكرها بغرامياتها المتقلبة وكيف أحبت دوموزي في صباها ثم غدرت به، وكيف أحبت طائرًا ثم كسرت جناحه، وكيف عشقت أسدًا وحفرت له سبع حفر بعد سبع حفر، وكيف أحبت محاربًا وراعيًا، بل وأحبت بستاني القصر، ثم غدرت بمن أحبها منهم ومسخت منهم من استعصم عليها. فلما واجه جلجميش هذه الربة الحسناء بحقيقتها انقلب حبها له إلى حقد شديد وشكته إلى والديها في السماء "آنو وأنتوم" ودعت أباها إلى أن يرسل عليه فحل السماء ليقتله، وتوعدته إن لم يفعل بأن تفتح أبواب العالم السفلي فيخرج أمواته ويفتكون بالأحياء، فاستجاب لها أبوها وأرسل معها فحل السماء بعذاب شديد. وأراد إنكيدو أن يفتدي صديقه فتصدى للفحل ونجا من حفره بعد أن سقط في إحداها، ثم تعاون هو وجلجميش على ذبحه وقدما قلبه قربانًا إلى شمش، فجن جنون إشتار وصبت اللعنات على أوروك وحرضت الكاهنات على أهلها. فتصدى لها إنكيدو وتوعدها بأن يفعل بها مثل ما فعل بالفحل، وأفسد هو وصديقه خطتها وكان يوم انتصارهما عليها يومًا مشهودًا، خرجت العازفات فيه ينشدن بإيعاز من جلجميش: من هو أعظم المغاوير قدرًا؟ من هو أعظم الناس قدرًا؟ فيرد الناس وراءهن: ذاك هو جلميش: أعظم المغاوير قدرًا، ذاك جلجميش أعظم الناس شهرة. وتلك صورة من هتاف الأنصار للبطل تربط الماضي بالحاضر.
وانقلب حال السماء وأربابها، فاجتمع آنو وإنليل وشمش، وانقسموا فريقين: آنو وإنليل في جانب وقد اعتزما الفتك بإنكيدو لإهانته إشتار واشتراكه في قتل هواوا وقتل الفحل، وشمش في جانب آخر
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 467