responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 330
واتخذ أمنحوتب الثالث منهاجًا وسطًا بين آمون وبين آتون، فحابى آمون وكهنته الأقوياء وأعلن أنه ولي العرش بناء عن بنوته له وبناء عن أمره، وأغدق العطايا على معباده وكهنتها. ثم ساير في الوقت نفسه دعوة آتون وسمح بعبادته جهرة في طيبة، وتقبل إطلاق اسمه على بعض أركان قصره ومحتوياته. وهكذا استمر اللبس بين القديم والجديد، وبين آمون وآتون، خلال عهده.
وبقيت علة العلل بين طرفين: الفرعون الذي كان بيده حسم الأمر لو أراد ... ، لولا أنه جرى على سنة أسلافه، وآثر الإبقاء على تعدد المذاهب خشية أن تتركز سيطرة الدين كاملة في جانب مذهب واحد. ثم كبار كهنة آمون الذين تهيأ لهم من الشهرة والثراء العريض وسلطان المناصب ما أرهب الناس منهم وجعل التغاضي عن عقائهم أمرًا غير ميسور. ولم يعد من سبيل إلى اكتمال دعوة التوحيد إلا إذا اختصم الطرفان أصحاب الزمام: الفراعنة وكبار الكهان، أو تهيأ حوافز جديدة عنيفة لإصلاح الدين كله.
وللمرة الأولى، تهيأ العاملان في عهد أمنحوتب الرابع منذ عام 1367ق. م. وكان ذا نفس حساسة مرهفة، وانجذب منذ صغره إلى تيارات الدين الذي كان خاله من كبار كهنته. وانتوى لنفسه منهاجًا يتزعم به دعوة آتون دعوة التوحيد، وبدأ التبشير به على حذر، فشيد معبدًا باسم آتون في رحاب الكرنك معقل آمون، وأعلن أن العبادة ينبغي أن تتجه إلى "الوالد آتون الحي"، وأن آتون ما هو إلا "رع حر آختي يتهلل في الأفق باعتباره النور الذي في الكوكب آتون"[1]. واستهدف أمنحوتب من هذه البداية ثلاثة أمور، وهي: أن يحدد رأس عقيدته الجديدة، وألا يفاجئ الناس بأسماء جديدة لم يألفوها، وأن يوحي إليهم بأنه لم يطلب منهم غير العودة إلى معبود الفطرة، معبود أجدادهم الأولين، رع حر آختي، وهو نفس آتون، ذلك الذي رغب الناس فيه بتسميته باسم "الوالد"، وربط بينه وبين آية النور المعجزة المستحبة في كوكبه.
وعلى الرغم من بساطة هذا الاستهلال البارع الذي بدأ أمنحوتب دعوته به، أوجس كهنة آمون خيفة منه، وقدروا أن يافعًا مثله يستطيع أن يتزعم مذهبًا في الدين ويفتي بالرأي فيه، خليق بأن يتأتى على يديه تغيير كبير، فأضمروا له العداء وجافوه، وبادلهم هو جفاء بجفاء، وسارت الأمور بينهما من سيئ إلى أسوإ، وأبدت عين البغض بين الفريقين كثيرًا من مساوئ خافية، ومساوئ أخرى كانت تتغاضى عنها عين المجاملة. وبدا للفرعون ما ذكرناه له حين بحثنا تاريخ السياسة في عهده. وما يتمثل في ضيقه بانصراف الولاء الديني لأرباب عديدين، وانصراف أموال الدولة إلى معبادهم الكثيرة، وضيقه بثراء كبار كهنة آمون واتساع تدخلهم في شئون الدولة، وضيقه بروح المحافظة التي تعللت بالدين وقيدت حرية الناس، ثم أمله في أن يجد من شيوع دينه الجديد خارج مصر ما يحقق رابطة متينة توثق الصلات بينها وبين أتباعها وجيرانها.
وفي العام السادس من حكمه جهر أمنحوتب بعقيدته، وأعلن التوحيد خالصًا، فنادى بإله واحد لا شريك له، ولا محل لتعدد الأرباب والربات إلى جانبه، ليس هو آمون، ولكنه آتون. وليس هو

[1] تختلف ترجمتنا هذه عما أتت به أغلب المؤلفات الأخرى. Cf.Gunn,Jea, X, 168 F.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 330
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست