responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 329
أنه فرد مطلق خفي، ولكنه حفاظ لكل شيء، حال في كل شيء، موجود في كل الوجود. ووصفه قائلهم بأنه "أكبر من السماء، وأسن من في الأرض، رب الكائنات، حفاظ كل شيء، وباق في كل شيء"[1].
وهكذا آمن القوم بخفاء جوهر ربهم، وتفرده بقدرته العليا، واطمأنوا إلى وجوده في كل الوجود، وإلى رعايته لكل من في الوجود "وإن كانوا قد تخيلوا هذا الوجود في مصر وتوابعها أكثر من غيرها". ولكن عزت عليهم للأسف عدة أمور، أهمها: أنهم لم يكتفوا له باسم واحد، ولم ينزهوه تمامًا عن التشبيه، ولم ينكروا تعدد المعبودات إلى جانبه، فوصفوه فردًا وكبيرًا لجماعة الأرباب في آن واحد ونزهوه عن المادية وتخيلوا له صورًا كثيرة في آن واحد. وتمثلت علل هذا الخلط فيما مهدنا به لنشأة الدين، أي في صعوبة التخلص من القديم الموروث، وفي سماحة المتعبدين، وفي تشابه سبل الدعوة إلى المعروف عند أبتاع كل معبود، وفي افتراض القرابة الوثيقة بين الأرباب المختلفين، وفي منطقة التبرير بأن الإله الأكبر هو الذي خلقهم بأمره ومن نفسه أو من رشحه وأمر برعايتهم، ثم في مرونة الفكر الديني التي لم تأب أن تتقبل الجديد وتضعه جنبًا إلى جنب مع القديم، مع استغلال الفراعنة لكل هذه العوامل لكي يحولوا بها دون تركيز النفوذ الديني في أيدي كهنوت معبود واحد، ولكي يوهموا أبتاع كل معبود أنهم معهم، ولا يأبون عليهم حرية عقائدهم.
وضاقت بكل ذلك صدور بعض المؤمنين في أواسط عصر الأسرة الثامنة عشرة، وتمنوا لو اهتدوا إلى التعبير عن ربهم باسم واحد، والرمز إلى آيات قدرته برمز واحد، وإعلان وحدانيته صريحة واضحة. وأراد المجددون أن يبدءوا بتحديد اسم معبودهم وتحديد رمزه، وأوحى الحذر عليهم أن يربطوا بين الجديد الذي يودونه وبين القديم الذي تعوده أغلب معاصريهم، فبشروا باسم "آتون"، وهو اسم قديم اتجه به أسلافهم أدباء البلاط الفرعوني منذ الدولة الوسطى وجهتين: وجهة لفظية يدل فيها على معنى "الكوكب" ويعني كوكب الشمس بخاصة، ووجهة أخرى لاهوتية ينم فيها عن الإله المتحكم في هذا الكوكب[2].
ومنذ عهد تحوتمس الرابع رأى المجددون في اسم آتون ما يفي بغرضهم للتعبير عن اسم ربهم ورمزه، وأقنعوا أنفسهم بأنه لا يقلل من جلال ربهم المطلق أن يرمزوا إليه بآية الشمس كبرى آياته، فما من شك في أن من يتحكم في كوكبها وينظم مسيرته قادرًا على أن يدبر المخلوقات كلها. وسلكت هذه الدعوة سبيلها في حذر وهوادة وتقبلها الكهان بمرونتهم التقليدية.

[1] Pap. Boulaq Xvii, I,4.
[2] Conffin Texts, D 47, 209; D 50, 230; Xlvii, 208, 226; Sinuhe, B 213; Pap. Petersburg, 1116 B, 24-25; Urk., Iv, 54; Cairo 34001, 7, 17, Etc.
وراجع: عبد العزيز صالح: البحث السابق - 15.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح    الجزء : 1  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست