اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 214
بجيوشه إلى مصر كان قد أعاد الاستقرار إلى جنوب الشام وأرهب خصومه، وكسب ود الأمراء الذين تسامح معهم، واصطحب معه بعض أبنائهم إلى مصر ليكونوا ضمانًا لإخلاص آبائهم[1].
وتفقد تحوتمس أحوال الشام بعد ذلك أربع مرات في أربعة أعوام متتالية، كان يخرج فيها بمظاهرات عسكرية سليمة ضخمة. ثم اعتزم في مرته السادسة منازلة أمير قادش رأس المشكلة في عقر داره، بعد أن اطمأن إلى سلامة ظهره، أي اطمأن إلى إخلاص المدن الشامية التي تركها خلفه اطمأن إلى كفاية أساطيله وقدرتها على تموين جيشه من ناحية البحر وحماية إمداداته فيما لو حدث شيء يهدد اتصالاته من ناحية البر.
وكانت قادش، وهي تل نبى مند الآن، تستمتع بحصانة طبيعية وتحتل موضعًا إستراتيجيًّا أصيلًا فاقت أهميتها به أهمية مجدو. فقد وقعت بين ثلاثة تحصينات مائية: نهر العاصي الذي قامت على ضفته الشرقية وفرع صغير اتصل به عندها من ناحيتة الغربية، ثم بحيرة حمص التي تقع إلى الشمال منها بقليل. وتحكمت قدش بحكم موقعها في المدخل الشمالي لوادي البقاع المؤدي إلى قلب سوريا، وأشرفت على وادي النهر الكبير المؤدي إلى ساحل البحر المتوسط، وأطلت على طريق تجاري رئيسي يصل بين بلاد النهرين وبين سوريا. وكانت محصنة ويقوم بالقرب منها معسكر قديم من معسكرات الهكسوس، كما يقوم على بعد 35 ميلًا منها معسكر قطنة أكبر معسكرات الهكسوس جميعًا. "راجع أيضًا حضارة الشام في جزء تالٍ لهذا الكتاب".
ونجح تحوتمس بجيشه في هزيمة خصمه أمير قادش بعد مجهود كبير، ودخل المدينة وأصلح رجاله أسوارها، وألف بينها وبين بقية المدن السورية، ورجع إلى مصر ومعه بعض أمرائها الصغار الذين قالت عنهم حولياته الرسمية: "استحضر جلالته أولاد الأمراء وإخوتهم ليكونوا ودائع على أرض مصر، حتى إذا توفي أحد الأمراء عين جلالته ولده في منصبه، وكان عددهم في هذا العام 36 فردًا، ومعهم من الخدم والجواري 188"[2]. وعلى الرغم من الرغبة في اتخاذ هؤلاء الأمراء ودائع ضمانًا لإخلاص آبائهم، فإن بقية السياق تدل على أنه كان ينظر إليهم نظرة طيبة تحفظ عليهم مكانتهم الأولى وينعمون فيها بخدمهم وجواريهم العديدين، وأن من أغراضه من استقدامهم أن يلمسوا أمجاد مصر وعظمة عاصمتها التي كانت بهرة العالم المتمدين في ذلك العصر، وليطمئنوا إلى الحضارة المصرية ويتشبعوا بها ويصبحوا أوفياء لها ولفراعنتها إذا تولوا حكم مدنهم وإماراتهم بعد وفاة آبائهم.
وعندما خرج تحوتمس بجيشه إلى سوريا في مرته الثامنة "في العام 33 من حكمه" كان قد اعتزم أن يهاجم دولة الميتان في عقر دارها ليأمن دسائسها وتحريضاتها وليستقر الأمن بعدها على حدود دولته. وعمل في سبيل نجاح خطته على تنظيم المواني الشامية وتزويدها بما كان يعوزها من المحاصيل الغذائية، وقالت [1] But Compare, Ancient Records, Ii, P. 170. [2] Maritte, Karnak. 13, Ii; Anc. Records. Ii, P.198.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 214