اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 213
ثم اعتزم أمرًا، ولكنه لم يشأ أن يصدره إلى رجاله في هيئة الأمر. وفضل أن يعلن استعداده للتضحية بنفسه ثم يترك لرجاله الخيار في متابعته أو مخالفته، فقال لهم: أقسم بحب رع، وفضل أبي آمون ... ، لأسلكن هذا الطريق "الضيق"، طريق عارونا بالذات، فليذهب من شاء منكم على الطريقين اللذين ذكرتموهما، وليأت معي من رغب منكم في متابعتي. وإلا فما الذي سيقوله الأعداء أعداء رع، ألن يقولوا إن جلالته سلك طريقًا آخر من فرط خوفه منا؟ ". وأفحم القادة بمنطق الملك وهزتهم الأريحية للدفاع عن سمعة الفرعون وكرامة رع وآمون، فأمنوا عليه وقالوا له: "ليساعدك أبوك آمون، وها نحن في معيتك سائرون أينما سرت، فتقدم ونحن معك كالتابع في معية مولاه". وشفع تحوتمس حديثه بالعمل، أو بمعنى آخر شفع المشورة بسرعة التجهيز والتنفيذ، واعتزم الهجوم الخاطف، فاستقبل جيشه ونادى: "هلموا آزروا مولاكم المظفر، وسيروا على هذا الطريق برغم ضيقه الشديد". ثم أقسم قائلًا: "ولن أسمح بأن يتقدمني "أحد حتى" فرق الطليعة في هذا المقام". وبر الفرعون بيمينه، وأصر على أن يخرج بنفسه في طليعة جيشه "وحينذاك أخطر المنادون كل فرد بمكانه في المسيرة، وسار الجواد في إثر الجواد والفرعون على رأس الجنود".
لم يتوقع خصوم تحوتمس أن سيجازف وجيشه الكثيف بسلوك الطريق الضيق، فابتعدوا عنه، وخرج هو بطليعة جيشه. ولكن صدق شك ضباطه في الأنباء التي وصلته عن تجمع خصومهم داخل مجدو، فقد كان هؤلاء لا يزالون منتشرين في الخلاء فعلًا. ولما تيقن القادة من ذلك قالوا لفرعونهم في صراحة: "نرجو أن يستمع مولانا إلينا في هذه المرة، ويتركنا نحافظ على مؤخرة جيشه وأفراد شعبه، فإذا وصلت إلينا مؤخرة الجيش قاتلنا الأعداء دون أن يشغل بالنا على رجالنا". وأطاع تحوتمس رجاله، وجلس على مقعدة أمام سرادقة، حتى خرجت إليه مؤخرة جيشه عند الزوال، وأكرم القادة وأرسل المؤن للاتباع وعين حرس المعسكر وأوصاهم بالثبات واليقظة ... ، ثم أتته الأنباء بخلو الساحل وأن فرق العسكر الجنوبية والشمالية في وضع سليم. وفي يوم عيد القمر الصادق "بما يوافق 12 مايو 1468ق. م" خرج الملك في الفجر.، في عربة مذهبة مزودة بأسلحة الحرب، وتوسط جيشه ثم انحط به على الميدان، ولم تطل المعركة وآثر خصومه الفرار، وتركوا خيولهم وعرباتهم المذهبة والمفضضة. وكان أهل مجدو قد أغلقوا أبواب مدينتهم، ولكنهم عاونوا كبار الفارين ودلوا لهم أقمشة ربطوها حول خصورهم ورفعوهم بها .. ، وهنا عقب المراسل الحربي لتحوتمس بأنه لو لم ينشغل جيشه جلالته بجمع الغنائم لاستولى على مدينة مجدو في الحال، ولكن انشغالهم سمح لأمير قدش وأمير مجدو بالفرار إليها ... ، واضطر الجيش المصري إلى تطويق المدينة، فأحاطها بخندق وطوقها بسور من أخشاب الأشجار، واستمر في مراقبتها سبعة شهور، حتى إذا طال المطال على أهلها أخرجوا أبناءهم إلى تحوتمس يقدمون له السلاح والهدايا، فعفا عنهم وقبل هداياهم، ثم خرج إليه حلفاؤهم الأمراء وأعلنوا استسلامهم، فقبل جزاهم وسرحهم إلى مدنهم، واكتفى بأن جعلهم يستبدلون الحمير بخيولهم، عقابًا يسيرًا، وهونًا من هوان، ولأنه كان أحوج إلى الخيول كما قال[1]. وعندما عاد [1] Urk., Iv, 647 F.; Ancient Records, Ii, 391 F.; H. H. Nelson, The Battle Of Megiddo, 1913; R. Faulkner, Jea, Xxviii “1942”, 2 F.
عبد العزيز صالح: "التربية العسكرية في مصر القديمة" – بحث في المجلد الأول من تاريخ الحضارة المصرية – القاهرة 1962 ص196 - 198.
اسم الکتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق المؤلف : عبد العزيز صالح الجزء : 1 صفحة : 213